loader
 

السؤال: ما المقصود بالمسجد الأقصى في الآيات القرآنيه والأحاديث النبويه ؟ هل هو الذي بفلسطين ؟

الآية التي تتحدث عن إسراء الرسول صلى الله عليه وسلم هي قوله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}..
ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم في ساعة الإسراء في المسجد الحرام، بل كان في بيت أم هانئ. لذا فلا داعي للجزم أنّ الرحلة تمّت إلى مسجد مبنيّ يسمى المسجد الأقصى، بل كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أسري به من بيت قريب الى المسجد الحرام، فلماذا لا يكون المكان الذي أُسري إليه منطقةً بعيدةً تحتوي مكانَ عبادةٍ مقدسًا؟ وحيث إنّ هذه الأمة هي الوارثة لبني إسرائيل فلماذا لا يكون هذا المكان هو عاصمة بني إسرائيل في ذلك الوقت؟ أي هو بيت المقدس؟
وهذا عليه دليلان:
أولهما: أنَّ هذا هو ما تشير إليه الآيات التالية لآية الإسراء السابقة، وهي قوله تعالى {وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } (الإسراء 2-8)
وثانيهما: أنَّ هذا هو الذي دلَّت عليه الروايات الكثيرة؛ أنَّ الإسراء كان إلى بيت المقدس، مع أنه لم يكن فيه أي مسجد، ولم يكن فيه مسلمون ولا يهود، بل كانت كل معابد اليهود قد اندرست قبل مئات السنين من الإسراء.
كان في القدس كنيسة القيامة، وهذه ليست مسجدا أقصى، بل مكان يُعبد فيه المسيح. وهذه الكنيسة لم يُقمها نبيّ ولا وليّ، بل أقامها الناس الذين صاروا يقولون بألوهية المسيح.. أي هي مكان لم يؤسَّس على التقوى من أول يوم، لذا لا يمكن أن يكون المسجد الأقصى هذه الكنيسة، وإنْ كانت هي المعبد الأهمّ في ذلك الوقت في القدس.
إذن، هل المسجد الأقصى الموجود حاليا هو نفسه الذي أُسري إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
الجواب أنَّ هذا المسجد بناه الأمويون بعد ستين عاما من كشف الإسراء.. ولا يُستبعد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد أُسري به إلى نفس مكان هذا المسجد، فالمكان نفسه أو قريبا منه أو حوله كان مقدسا عند بني إسرائيل عبر تاريخهم. وحيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وحيث إنّ دعوته للناس كافة، فهذا الإسراء إلى هذا المسجد وما حوله يعني أن الإسلام قد ورث الأديان، وأن النبوة انتقلت إلى فرع بني إسماعيل، وأن على بني إسرائيل أن يعلموا أنَّ النبوءات العظيمة قد تحققت..
وهناك روايات تشير إلى أن المسجد الأقصى قد بناه سليمان عليه السلام، ففي سنن النسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خِلَالًا ثَلَاثَةً سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَنْ لَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ (النسائي، باب فضل الصلاة في المسجد الأقصى). وأخرج الحديث نفسه ابن ماجة في سننه وابن خزيمة في صحيحه أيضا.
وهناك مسجد اسمه المسجد الأقصى قرب مكة، كما في رواية الواقدي في مغازيه في فتح مكة، حيث يقول: وَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَأَقَامَ بِالْجِعِرّانَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَلَمّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ إلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَ مِنْ الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لَيْلًا؛ فَأَحْرَمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الّذِي تَحْتَ الْوَادِي بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى. (الواقدي)
وهذا لا يعني قطّ أن الإسراء كان الى هذا المسجد، فالمسجد الأقصى يمكن أن يُطلق على أي مسجد في العالم، فهو يعني المسجد الأبعد؛ وهناك الكثير من المساجد التي تحمل هذا الاسم. ولو كان المقصود بالمسجد الأقصى هذا المسجد القريب من مكة لما كان هنالك أي داعٍ لذكر الإسراء إليه، فزيارته ليلا أو نهارا أمر عادي جدا. ثم إنّ هذا المسجد قد بُني لاحقا وبعد الهجرة لا قبلها، أما الإسراء فقبل الهجرة.
معاني الإسراء إلى المسجد الأقصى:
أما وقد تبيّن أن كشف الإسراء كان إلى بيت المقدس لا إلى مسجد في السماء كما يرى الشيعة، ولا إلى المسجد الأقصى القريب من مكة، فقد بقي أن يُذكر معنى هذا الكشف، وهو أهم من المكان في الكشف، فزيارة مكان في الكشف لها معاني ودلالات أهم من المكان نفسه..
"فالإسراء إلى المسجد الأقصى المذكور في سورة الإسراء هو كشف روحاني يشير إلى عدة أحداث:
أولها: الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة.
وثانيها: امتلاك المسلمين بيت المقدس وما حوله، وهذا حدث زمن عمر.
وثالثها: بعثة ثانية للرسول صلى الله عليه وسلم في شخص خادمٍ له، ولدينه وخير مدافع عنهما. وهذا مشار إليه في قوله تعالى (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)، أي أن الله تعالى سيبعث سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم مرة ثانية في الآخرين، وحيث إن من توفاه الله لا يعود إلى الدنيا، فالمقصود من بعثته الثانية بعثة رجل من أمته خادما له ولدينه، والذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم تعليقا على هذه الآية بقوله: لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجل أو رجال من آل فارس. (البخاري)
إذن، "المقصد الرئيس من هذا الكشف والغرض منه أمر عظيم. فقد أراد الله تعالى أن يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ويريه المخرج القريب من تكذيب قريش ومعارضتها وتعذيبها لأتباعه من المؤمنين.. وذلك بهجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة؛ وما يتعلق بهذا الانتقال من ظفر وانتصار للإسلام.
والمراد من رؤية بيت المقدس هو المسجد النبوي الشريف الذي بناه في المدينة المنورة.. التي بارك الله فيها وما حولها، وأعطاها من المجد والسلطان والعلو في الدنيا والآخرة أكثر من بيت المقدس، ولقد رفع مسجده فيها على كل مساجد الأرض غير المسجد الحرام".
"كما أنّ المسجد الأقصَى يشير أيضا إلى مدينة بيت المقدس نفسها، وتأويل ذهاب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى هناك يحمل نبأ غيبيا بأنه صلى الله عليه وسلم سيملك تلك البلاد، وسوف تكون من مراكز الإسلام الهامة. ولقد تحقق هذا النبأ بعد سنوات معدودة.. وعلى يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل الإسلام بيت المقدس ومكث في أيديهم ثلاثة عشر قرنا. ورغم أنها ذهبت اليوم إلى أيدي اليهود.. إلا أن ذلك قد تم حسب نبأ أنبأه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو مؤقت، ولسوف تعود هذه البلاد المقدسة إلى أيدي المسلمين، إنْ عاجلا أو آجلا حسب نبوءته صلى الله عليه وسلم".
"كما أنّ إسراء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى يشير أيضا إلى أنه عندما تضعف شوكة الإسلام، وتغطي الأرض ظلمة الهجران لكتاب الله ودينه وشرعه، وعندما يلقي المسلمون بأنفسهم تحت سيطرة الغرب الصليبي.. تسري بركات المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى رجل من أمته.. هناك في أقصى بلاد الإسلام، ليكون مسجده مركزا لبركات العلم المحمدي، ومنارة لإشاعة الإسلام الصحيح، فينير العالم بفيوض الإسلام والقرآن، ليفيق المسلمون من غفلتهم ويرجعوا إلى الدين الصحيح، ويحوزوا نفس البركات والأنوار والمجد والحياة التي أعطيت لأتباع أنبياء بني إسرائيل؛ والتي أعطيت للمهاجرين والأنصار. وهناك يتحقق قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتُلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الجمعة:3). وسوف تبدو عزة الله تعالى وحكمته في إحياء الإسلام وتجديده ببركة محمد صلى الله عليه وسلم في بعثته الثانية وعلى يد الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام. (التفسير الكبير)




 

خطب الجمعة الأخيرة