loader
 

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله و بركاته , الى الاح هانئ طاهر أرجوا منكم ان تبينوا لنا ما معنى قوله تعالى في سورة الانفال في الاية 43 و44 إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور , وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور . سؤالي هل الله تبارك و تعالى غيرمن سننه الكونية عند هذا اللقاء ؟

كلا، لم يغيّر الله سننه، فالقضية أنه قبل أن تبدأ معركة بدر كان المسلمون واثقين من النصر بناء على النبوءة الواردة في قوله تعالى {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأَنْفال)، وعلى غيرها من وعود تؤكد انتصار الإسلام. ولكن كان جيش الكفار ثلاثة أضعاف جيش المسلمين، وكان يمكن أن يضعف بعض المسلمين برؤية هذا العدد الهائل، ويخطر ببالهم أنهم لن ينتصروا، لأنّ الوعد بالغلبة كان يتعلق بضعفي العدد لا بثلاثة أضعافه (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ)، فقلّل الله تعالى عدد الكفار في أعين المسلمين إلى ضعفين، فقال تعالى:
{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} (آل عمران 14).. كما أنّ الله تعالى قد قلّل أعداد المسلمين في أعين الكفار لتشجيعهم على المضي في المعركة، فقال تعالى {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (الأَنْفال 45)
جاء في التفسير الوسيط: "تشير كلمات الآية يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ إلى أن جيش أهل مكة بدا أمام المسلمين أقل من قوته الفعلية، فلقد رآه المسلمون ضعف عددهم فحسب، بينما كان يبلغ عدد الجيش المكي ثلاثة أضعافهم. وكان ذلك حسب الإرادة الإلهية التي شاءت أن يتم اللقاء بين المسلمين على قلة عددهم وسلاحهم مع الكفار، من دون أن تؤثر فيهم كثرة العدو بشيء من الرهبة إذا هم رأوهم حسب قوتهم الفعلية، كما يقول تعالى وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً (الأنفال:45). والذي حدث أن ثلث جيش مكة كان وراء مرتفع من الأرض، فلم ير المسلمون سوى ثلثي الجيش ويبلغ زهاء 600 مقاتل أي ضعف عدد جيش المسلمين. وكان من الطبيعي أن يتشجع المسلمون على القتال لما رأوا أن جيش الكفار ضعفهم فحسب، واطمأنوا إلى النصر، تحقيقًا لوعد الله تعالى الذي وعدهم بالنصر إذا قابلوا عدوًّا يبلغ عدده ضعف عددهم، حيث قال تعالى: فَإِن يَكُن مِّنكُمْ مِّاْئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ (الأنفال:67).
ولقد جاءت الكلمتان رَأْيَ الْعَيْنِ لتبيان أن الأمر لم يكن حلمًا أو كشفًا عندما رأى المسلمون جيش الكفار أقل من عدده الفعلي، وإنما كان ذلك في يقظة واقعية. وقد ملأت هذه الرؤية قلوبهم شجاعة أكثر مما لو كان المشهد حلمًا أو رؤيا، لأن الرؤيا قد يكون لها تعبير مخالف لما يبدوا فيها". (التفسير الوسيط)


 

خطب الجمعة الأخيرة