loader
 

السؤال: السلام عليكم رمضان مبارك ارجوا من الاستاد هاني طاهر الرد على هدا السوال و شكرا هل المكر صفة تليق بالله جل جلاله؟؟!!!... ما معنى ان الله خير الماكرين؟؟.. اليس المكر صفة مذمومة؟؟؟

المكر هنا ليس المكر المعروف، بل يعني الردّ على مكر الماكرين. وهذه الآية وردت مرتين في القرآن الكريم، وقراءتهما في سياقهما يوضح المقصود:
الأولى:
{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (55) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (آل عمران 55-56)
الثانية:
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } (الأَنْفال 31)
الآية الأولى تتحدث عن مكر اليهود ليقتلوا المسيح عليه السلام قِتلة يدّعوا من خلالها أنه ملعون، ولكن الله تعالى ردّ على مكرهم هذا بأن أنجاه من مكرهم؛ فأنبأه أنه سيميته ميتة عادية وسيرفع مكانته في الدنيا والآخرة وسيطهر سمعته وسيجعل أتباعه غالبين على أعدائه الكفار به إلى الأبد. فالمكر هنا من باب المشاكلة، أي ردّ على مكرهم.
أما الآية الثانية فمعناها أن الكفار يمكرون لاعتقال النبي أو قتله أو إخراجه. والله تعالى قد هيّأ الأمور لنجاة النبي صلى الله عليه وسلم من كل هذه المكائد، فكيف يمكن أن يكون ما هيّأه الله مكرا بالمعنى الذي في ذهنهم؟! وقصة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم معروفة للقاصي والداني، فأين المكر في نجاته؟ أين الخداع والغش؟
إنما المكر المستخدم هنا هو من باب "استخدام اللفظ في غير معناه؛ لمقابلته مع فعل آخر". أو "ذكر الشـيء بغير لفظه لوقوعه في صحبة لفظ آخر". وهذا يسمى المشاكلة، فالمكر ليس مكرا، بل ردّ على المكر، والعدوان في قوله تعالى {فمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ليس عدوانا، بل المقصود أنّ من اعتدى عليكم فردّوا عدوانه وعاقبوه بمثله. ومثل ذلك قوله تعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} فالخداع هنا يعني الردّ على خداعهم، ومثله قوله تعالى {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً} فالكيد هنا يعني الردّ على كيدهم، ومثله قوله تعالى {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُم} فالسخرية هنا الردّ على سخريتهم. ومثله قوله تعالى {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} فالاستهزاء هنا هو الرد على استهزائهم.
هذا الذي ذكرناه كما قلتُ من باب المشاكلة، ولكن هناك تخريج آخر لكلمة المكر، فقد وردت في آيات ورودا عاديا لا من باب المشاكلة، كما في قوله تعالى {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد 43)، وقد جاء في قاموس الأقرب:المكرُ صرفُ الإنسان عن مقصِدِهِ بحيلةٍ، وهو نوعان: محمودٌ يُقصد فيه الخيرُ، ومذمومٌ يُقصد فيه الشرُّ (الأقرب).
إذن، المكر هنا صرفُ الإنسان عن مقصده بوسيلة، فلله المكر جميعا.. أي أن الله تعالى له القدرة على كل الوسائل فيصرف الكفار عن مقاصدهم ويحول بينهم وبينها.
المهم أن مكر الله تعالى دائما محمود. وهو يبطل مكر ماكري الشرّ بمكره الحسن.


 

خطب الجمعة الأخيرة