loader
 

السؤال: من هو الشيطان الرجيم؟

يقول المصلح الموعود الشيطان يعني في العربية الكائن الذي يبتعد عن الحق، أو يزداد شرًّا وسوءًا (لسان العرب: شطن). أما إبليس فهو من يصبح آيسًا (أقرب الموارد). وعندي أن الشيطان أو إبليس اسم لكائن خلقه الله تعالى إزاء الملائكة لاختبار البشر، فلا موت للشيطان ما لم يكمّل مهمته، كما لا موت للملائكة ما لم تتم مهمتهم. (التفسير الكبير تفسير سورة الحج)
ويقول أيضا إن الشيطان أو أظلاله من البشر يعلنون براءتهم ممن يتخذونه أداةً طيّعة لارتكاب الإثم، إذ يقولون له: لم نكرهك على ارتكابه، وإنما كنت بنفسك شريرًا لذلك رضيت بما أشرنا به عليك. لو كان فيك خير لما رَضِيت بقولنا. متى أكرهناك على ارتكاب المعصية؟
وهذا حق لا شك فيه. فإن الشيطان أو أظلاله من البشر لا يملكون في الواقع أي خِيار على الإنسان، وإنما هم وسيلة لكشف عيوبه فقط، مثلما تكون الملائكة سببًا لظهور كفاءاته الحسنة. والحق أن أهواء النفس البشرية هي التي تضله وتنحرف به، ولا دخل للشيطان في ضلاله، إلا أنه يمتحن الإنسان مشيرًا عليه باختيار السيئة. شأنه شأن المعلم الذي يضع أمام الطالب أسئلة صعبة وقت الامتحان. فعند فشل الطالب في الامتحان لا يقول أحد بأن المعلم هو الذي تسبب في فشل الطالب وإنما يقولون: إنه فشل بسبب ضعفه العلمي، أما المعلم فقد كشف عليه الواقع. كذلك حال الملائكة والشيطان. فالملائكة يُظهرون للإنسان مستواه في الخيرات، بينما يكشف عليه الشيطان مستواه في السيئات، ولا يعني ذلك أن الملائكة تجعل الإنسان بارًّا، أو أن الشيطان يجعله فاسدًا.
والمراد من قوله فَلا تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم أنكم رأيتم وعود الله تتحقق دائمًا ومع ذلك لم تكترثوا لها ولم ترضوا بها، وتقبلتم ما وعدتكم من وعود معسولة رغم انكشاف زيفها عليكم، فما ذنبي في ذلك.
وقوله إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ، أوليس غريبًا أن نجد الشيطان يدّعي الإيمان بتوحيد الله تعالى، إذ يذكّرهم قائلاً: أنتم بأنفسكم اتخذتموني شريكًا مع الله بينما كنت أنكر ذلك.
والواقع أنه على حق، لأن الشيطان الذي يقوم باختبار الناس وكشف عيوبهم إنما يقوم بواجبه الذي فرضه الله عليه. ولا شكّ أن جبروت الله وعظمته تكون جليّة أمام عينيه، فكيف يمكن إذًا أن يقع في الشرك؟ وإنما يتولد الشرك في الإنسان عندما يقبل الوساوس الشيطانية ويحوِّلها إلى معصية. (التفسير الكبير تفسير سورة إبراهيم)
ثم يقول فى نفس المصدر :
وقد يتساءل هنا أحد قائلاً: فلماذا يلقي الله بالشيطان في الجحيم إذن؟ والجواب: لقد سجّل القرآن قول الشيطان لله تعالى خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ (الأعراف:13). فالذي خُلق من النار لن يتعذب بدخوله فيها، فمثلاً لو ألقيتَ جمرةً ملتهبة في الموقد فلن يحدث لها شيء. ولذلك نجد الصوفية يميلون إلى الاعتقاد بأن أظلال الشيطان من البشر سوف يعذَّبون، ولكن الشيطان نفسه لن يعذَّب، لأنه إذ يختبر الناس فإنه يؤدي واجبَه الذي فرضه الله عليه. "
نقله هاني الزهيري


 

خطب الجمعة الأخيرة