لم ننفِ السحر ولم ننفِ الجن، بل السحر موجود والجن موجود، لكن المهم هو ما هو السحر، وما هو الجن؟
فالسحر تخييل وخداع وليس له حقيقة، فالساحر يستطيع أن يُرينا شيئا لم نكن نراه قط، فيمكنه مثلا أن يخرج حمامةً من منديل فارغ في الظاهر، فالحمامة موجودة ولكنه استطاع أن يجعلها مخفية عن أعيننا. فهذا السحر لا ينكره أحد، فالناس من كل العالم يرونه، فكيف ننكره؟ لكن هذا السحر لا علاقة لها بالشياطين ولا بالجن ولا بالعفاريت، ولا بأي كائن مخفي أو موهوم.
أما الجنّ الذي تحدث عنه القرآن الكريم فيجب أن نفهمه في سياق الآية، فالقرآن الكريم لا يتحدث عن عالم مكلف بالرسالة الإسلامية غير نحن البشر، فهذه يجب أن نوقن بها. وأما وجود كائنات خفية عن أعيننا فهذا لا ننفيه، فنحن لا نعرف خلق الله كله، فالعلماء لا زالوا يكتشفون. لكن المهم معرفته أن الكائنات كلها خلقت لخير الإنسان حتى الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس يعمل في النتيجة لصالح الإنسان، حيث إن من يقاومه يتقدم في الروحانية ويتقرب إلى الله تعالى بمجاهدته هذه.
وأما الآية الكريمة فلا بد من قراءتها في سياقها لنعرف الموضوع،
يقول الله تعالى
أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(100)وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(101)وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَن اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(102)وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(103)
فالآية وما قبلها وما بعدها تتحدث عن اليهود وعدم إيمانهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وبخداعهم وبمؤامراتهم. فكلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم، ولما جاءهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مصداقًا لما جاء في التوراة التي بشرت به، لم يعودوا يأبهون بهذه الآيات التوراتية، ونبذوها وراء ظهورهم، وكأنهم لم يسمعوا بها ولم يعلموها.
وبدل أن يتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا به نبيًا ويطيعوه، نراهم يخططون ويتآمرون للنيل من الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم من خلال محاولات لاغتياله صلى الله عليه وسلم أو من خلال حضّ كسرى على مهاجمة المسلمين. إنهم –أي اليهود المعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم-يتبعون ما تتقول الشياطين على ملك سليمان، حيث اتهمه رؤوس الشر والفساد هؤلاء بأنه كافر يمارس الفاحشة والرذائل، لكن الحقيقة أن سليمان لم يكفر، إنما أعداؤه الذين قاموا بتأسيس منظمة سرية تسعى لتقويض حكمه هم الذين كفروا، وهم الذين علّموا الناس السحر والخداع والدجل.
وهذا الخداع والتآمر لم لم ينزل على النبيين هاروت وماروت، اللذين كانا حين يعلمان أحدا يقولان له لا تكفر بعدم اتباعنا.
أما اليهود فيتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم.
أما قوله تعالى (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)، فلا شيء فيه عن الشعوذة وأثرها في إحداث خلافات أسرية، بل إن هذين النبيّيْن كانا لا يضمان في عضوية منظمتهم السرية –الهادفة لتقويض ملك بابل الظالم- سوى الرجال، أما النساء فكان يتم إخفاء العمل عنهن، ولا يُسمح لهن الاشتراك في أي نشاط، ذلك أن النساء لا يستطعن تحمل أعباء هذه الأعمال الخطيرة، وقد يتم إفشاء أسرار خطيرة من خلالهن.
(وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)
إن هذه الجمعية السرية لا تقوم بالإضرار بأحد إلا من خلال الوحي الذي أنزله الله تعالى إلى هاروت وماروت، فهم لا يعتدون على أحد ولا يضرون أحدًا حبًا في العدوان، بل إن هذا يتم بوحي من الله تعالى الذي أراد أن ينجي عباده من الظلم العظيم الواقع عليهم من البابليين. وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) (الحشر: 5)
(وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ)
أما اليهود المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم فإنهم يتعلمون -من قصة هاروت وماروت وعملهم السري للإطاحة بالبابليين، ومن الجماعات السرية المناهضة لسليمان - كيف يخططون لخيانة عهودهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم محتجين بتلك الأعمال. وأنّى لهم ذلك، إنهم يتعلمون ما يضرهم في الدنيا والآخرة، ذلك أن عملهم مختلف جدًا عن عمل هاروت وماروت المشروع، فهما قد ثارا ضد الظلم، وأنتم-أيها اليهود-تتآمرون ضد رسول اللهصلى الله عليه وسلم.
(وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ)
لقد علم اليهود المتآمرون على الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم بعملهم هذا قد خسروا الآخرة، لأنهم يعلمون أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم صادق، ولا يمكن أن يكوم كاذبًا بحال من الأحول، لكنه العناد والكبر اليهودي.
( وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)
لو كانوا يعلمون أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم سينال من القوة والسلطان ما لا قِبل لهم به، وأنه سينفيهم من الجزيرة العربية جزاء خيانتهم المتكررة!
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8