كان غرابا حقيقيا، ولكن التفسير التقليدي فيه أيضا بعض الإشكالات..
{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}
يقول التفسير التقليدي: {فَبَعَثَ الله غُرَاباً يَبْحَثُ فِى الأرض} ينبش التراب بمنقاره وبرجليه ويثيره على غراب ميت معه حتى واراه {لِيُرِيَهُ كَيْف} يستر جيفة {أَخِيهِ قَالَ ياويلتى أَعَجَزْتُ} عن {أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين} على حمله وحفر له وواراه.
وفي هذا التفسير بعض الأخطاء، منها:
1-تفسيره (يَبْحَثُ فِى الأرض) بمعنى "ينبش التراب بمنقاره وبرجليه ويثيره على غراب ميت معه حتى واراه"، فليس النبشُ من معاني البحثِ.
2-قوله "ويثيره على غراب ميت معه حتى واراه"، فهذا ليس عليه أي دليل من الآية التي لم تقل شيئا من ذلك.
3- تفسيره السَوْءَةَ بالجيفة، إذ إن الجيفة أو الجثة ليست سوءة، وليس من معاني السوءة الجيفة.
4- اعتباره أن الندم حاصل من حمل جثة الأخ. وهذا خطأ، فالندم من القتل وليس من الحمل أو عدم الدفن.
5-عدم نظره في السياق، وعدم ربطه بين هذه الآية والتي تليها أو اللاتي تسبقها. فالآية التالية تقول مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، فالموضوع هو القتل وليس الدفن.
التفسير الممكن:
ما هي ميزة الغربان؟ إنها التعاون والمواساة والستر. فمعروف عنها أنه إذا رأى أحدها طعاما نادى زملاءه، بينما نرى الكلاب تقتتل فيما بينها على الجيفة. كما أن الغربان تجتمع حول الغراب الميت، وكأنها حزينة مواسية. كما أنها لا تمارس الجنس أمام الملأ، على عكس الطيور الأخرى.
فلعل في هذا مثلا يضربه الله تعالى لليهود ويقول لهم: تعاونوا مع إخوتكم من أبناء إسماعيل، بدل أن تسعوا لقتلهم، فتخسروا وتندموا. وواسوهم إن أصابهم مكروه، ولا تفرحوا لأحزانهم وتشمتوا فيهم. واستروا عليهم إن حصل منهم خطأ، ولا تنشروها وتُظهروها أمام العالم.
أو لعلّ الله تعالى أراد أن يقرّع القاتل ويبين له أن فعلته لا تقوم بها الحيوانات والطيور حتى من آكلة الجِيَف، فكان الأجدر به أن يحافظ على حياة أخيه ولا يسفك دمه. فرأى مشهد الغراب وأخيه فقال أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوارِيَ سَوْءَةَ أَخِي.
ولعله بعد أن قتل أخاه، بعث الله غرابا يبحث في الأرض عن مأوى آخر بعد أن ترك غرابا آخر اقتتل معه، فلما رأى القاتلُ أن الغرابَ اختار أن يترك المكان الذي فيه اقتتال وفتنة، واختار أن يهاجر، عرف القاتل أنه قد أخطأ خطأ عظيما في قتل أخيه، وقال: يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فأواري ما أراه خطأً وعوراتٍ مِن أخي؟ أعجزتُ أن أهاجر وأترك المكان كما فعل هذا الغراب؟ أعجزتُ عن اللجوء إلى غير القتل وهذه الجريمة العظيمة؟ أعجزتُ أن أهاجر فِي سَبِيلِ اللَّهِ لعلي أجِد فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً؟ أعجزتُ عن مواراة ما أراه سوءات أخي بِتَركي المكان؟ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ على تسرعه بقتل أخيه بدل البحث عن وسيلة أخرى بديلا عن العيش في نفس المكان الذي سيؤدي إلى القتل والاقتتال.
الآية لا تذكر عن أي شيء كان الغراب يبحث في الأرض، فالمبحوث عنه غير مذكور، لذا يمكننا تقديره، وهنا تمّ تقديره بالبحث عن مأوى جديد.
ويمكن لمن شاء أن يقدِّر محذوفا آخر، ويربط ربطا آخر إن استطاع. المهم أن فاعل "ليريه" هو الله وليس الغراب، أي فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَه الله كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ وليس ليريه الغراب، فالغراب غير عاقل، ولا يحاول أن يعلم الإنسان أو يريَ الإنسان، بل الله تعالى الذي يسّر الغراب.
مهما يكن، فهذه التفاسير كلها ممكنة، ولا نجزم بأي منها، لكننا نجزم بأن الغراب غير عاقل، وأن الله لم يحمّل الأمانة غير الإنسان في هذه الأرض.
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8