حضرة المسيح الموعود عليه السلام لم يضعِّف هذا الحديث، بل ذكره واحتجّ به كما يظهر من النصوص التالية:
إن الحديث الشريف "لا المهْدِي إلا عيسى" الوارد في سنن "ابن ماجة"، وأيضًا في كتاب المستدرك للحاكم عن محمد بن خالد الجندي عن إبان بن صالح عن حسن البصري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عن رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - - إنما يعني أنه لن يأتي أي مهدي إلا الذي سيكون على طبيعة عيسى - عليه السلام - وخصاله وطريقه، أي ليس المسيح الموعود ولا الإمام المهدي إلا الذي سيظهر على صفة عيسى - عليه السلام - وطبيعته وطريق تعليمه.. بمعنى أنه لن يقاوم السيئة بمثلها ولن يحارب، بل ينشر الهداية بقدوة حسنة وبآيات سماوية. وهذا ما يدعمه حديث آخر أورده الإمام البخاري في صحيحه ونصه: "يَضَعُ الْحَرْبَ".. أي أن المهدي، الذي يُدعى المسيح الموعود أيضًا، سوف يُنهي الحروب الدينية قطعًا، وسيأمر الناس ألا يقاتلوا لأجل الدين، بل عليهم أن ينشروا الدين بأنوار الصدق ومعجزات الأخلاق وآيات التقرب إلى الله تعالى. فالحق والحق أقول إن الذي يقاتل لأجل الدين الآن، أو يؤيد المقاتل، أو يدعو إلى ذلك سرا أو علانية، أو يتمنى ذلك في قلبه، فإنه يعصي الله ورسوله، وقد خرج عن وصاياهما وحدودهما وفرائضهما". (حقيقة المهدي، الخزائن الروحانية مجلد 14 ص 431- 432)
فمن زعم أن المهدي المعهود والمسيح الموعود رجلان يخرجان كالمجاهدين، ويسلاّن السيف على النصارى والمشركين، فقد افترى على الله ورسوله خاتم النبيين، وقال قولا لا أصل له في القرآن ولا في الحديث ولا في أقوال المحققين. بل الحق الثابت أنه لا مهدي إلا عيسى، ولا حرب ولا يؤخذ السيف ولا القنا. هذا ما ثبت من نبينا المصطفى، وما كان حديثًا يُفترى، وشهد عليه الصحيحان في القرون الأولى، بما تركا تلك الأحاديث وإن في هذا ثبوتا لأولي النهى، وتلك شهادة عظمى، فانظر إن كنت من أهل التقى." (حقيقة المهدي، ص 175-177)
إذن، ليس الحديث بضعيف كما قال البعض، أما رواته الذين اعترض عليهم بعض المتأخرين، فهم محمد بن خالد الجَنَدي، وهو ليس بمجهول، فقد وثَّقَهُ يحيى بن معين، ولا يضره جهل الآخرين بـه ما دام ابن معين قد عرفه ووثَّقَهُ. كما روى عنه الشافعيُّ هذا الحديث. وهل من روى عنه الشافعيُّ مجهول؟ وأما عنعنة الحسن البصري فليست تضرّ هنا، لأنه ثبت أن الحسن البصري قد سمع من أنس بن مالك؛ كما يظهر ذلك من حديث رواه البخاري: (انظر: صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوَّة في الإسلام، 3309). وأما الاختلاف في سنده فلم يأت عليه بدليل، ولو صحّ لا يضرّه، طالما أن هذا السند صحيح. لذا فليس في السند أية علَّة، بيد أن بعض العلماء أعلّه مَتْنًا، أي أن اجتهاده أدّى به إلى اعتبار أن هذا المتن يخالف ما هو معروف لديه أن المهدي والمسيح شخصيتان مختلفتان، فردَّ الحديثَ بهذا الاجتهاد.. ومعلوم أن الأحاديث لا تُرَدُّ اجتهادًا. وأما أن هذا الحديث يعارض أحاديث أخرى تقول بأن المهدي والمسيح شخصيتان مختلفتان، فهذا فهم خاطئ لحديث جاء يشير إلى أن المسيح هو أحد خدّام الشريعة الإسلامية، وهو الحديث الذي يذكر أن المسيح سينزل فيقول له أميرهم: تعال صلِّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة. فهذا الحديث يرمز إلى أن المسيح سيكون تابعًا للشريعة الإسلامية ولن ينسخ حكمًا واحدًا منها
ثم هنالك أحاديث تؤيده:
-الحديث الذي رواه البخاري عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللـه صلى الله عليه وسلم كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ
إذا كان عيسى نبيًّا، وكان المهدي رجلاً مؤمنًا مجددًا من دون أنْ يكون نبيًّا، فمن يتبع الآخر؟
إن جملة (وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ) تعني: وهو إمامكم منكم وليس من أمة أخرى، إنّ ابن مريم، هنا، هو إمامنا المهدي عليه السلام من أمة الإسلام، لا من بني إسرائيل. ولسنا بحاجة إلى تكرار أنَّ ابن مريم اسم أطلق على شخص شبيه بـه، ويسمى هذا في اللغة العربية الاستعارة التصريحية، حيث صُرِّح بالمشبه به، وحُذِف المشبه.
يقول المسيح الموعود عليه السلام : "مِن البراهين الدالة على أن المسيح الموعود به للأمة المحمدية سيكون فردا من هذه الأمة نفسها، حديثٌ ورد في البخاري ومسلم وهو: "إمامُكم منكم" و "أَمكم منكم"، ومعناه أنه سيكون إمامكم وسيكون منكم. وبما أن هذا الحديث يتكلم عن عيسى الآتي، وبما أنه قد وردت في هذا الحديث نفسه قبل هذه الجملة كلمتا "حَكَم" و"عَدْل" وصفًا لعيسى، لذا فإن كلمة "الإمام" أيضًا قد جاءت وصفًا لعيسى نفسه. ولا شك أن الخطاب في كلمة "منكم" موجه إلى الصحابة رضي الله عنهم، ومن الواضح أنه لم يدعِ أحد منهم أنه المسيح الموعود، فثبت أن كلمة "منكم" تتحدث عن شخص هو من الصحابة عند الله تعالى، وهو نفس الشخص الذي اعتُبر من الصحابة في الآية التالية: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ). إذ توضح هذه الآية أن هذا الشخص قد رُبِّيَ بروحانية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو من الصحابة طِبق هذا المعنى. وهذه الآية قد شرحها حديث يقول: "لَو كَانَ الإِيمَانُ معلقا بالثرَيا لَنَالَهُ رَجُلٌ مِنْ فارس"، وبما أن هذا الرجل الفارسي قد وُصِف بصفة قد خُص بها المسيح والمهدي – أعني أنه سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا وخلت من الإيمان والتوحيد – فثبت أن هذا الرجل الفارسي هو المهدي والمسيح الموعود، وهو أنا". (تحفة غولروية الخزائن الروحانية المجلد 17 ص 114-115)
-لمّا ثبت يقينًا موت عيسى عليه السلام ، لم يبق إلا أن يكون المقصود بنـزوله مجيء شخص شبيه به في هذه الأمة، ولماذا يكون هذا المبعوث غير المهدي نفسه؟
- لما ثبت أن المسيح الناصري قد مات، ولما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تنبأ عن نـزوله، ولما ثبت أن الميت لا يعود، فلم يتبق طريقة للجميع بين هذه الحقائق سوى القول إن المسيح الثاني غير الأول، بل هو المهدي نفسه. وهذا الأسلوب مستعمل في اللغة، وهو جواز إطلاق اسم الشيء على ما يشابـهه بأكثر خواصه وصفاتـه. فقد قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم لبعض أزواجه: (إنَّكن لأنتن صواحب يوسف، مُرُوا أبا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالناس) . فها هو رسولنا الكريم الذي أوتي جوامع الكلم يطلق على أزواجه (صواحب يوسف) لتشابـههن بشيء واحد فقط، فكيف لو كان التشابـه من أبواب عديدة؟
- ثم إن هنالك أحاديث تصف عيسى ابن مريم وصفًا مختلفًا عن المسيح المنتظر، ففي رحلة الإسراء رأى رسول اللـه محمد صلى الله عليه وسلم عيسى ابن مريم، فوصفه بأنَّـه أحمر جعد، وهذا الحديث مروي في البخاري عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللـه عَنـهمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَأَيْتُ عِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كَأنَّـه مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ . بينما وصف عيسى الذي رآه في المنام والذي سينـزل فيما بعد بأنَّـه آدم سبط الشعر، كما في الرواية التالية في صحيح البخاري عن ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللـه عَنـهمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللـه بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا ابْنُ مَرْيَمَ فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنـه عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا الدَّجَّالُ أَقْرَبُ النَّاسِ بـه شَبـها ابْنُ قَطَنٍ وَابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ (البخاري). إذن، المسيح الثاني غير المسيح الأول الذي قد مات ولن يعود قبل القيامة الكبرى.
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8