loader
 

السؤال: ما الرد في مسألة قـتل المرتد على الحديث المزعوم للرسول صلى الله عليه وسلم ( من بدل دينه فاقتلوه ) وحديث ( التارك لدينه المفارق للجماعة ) ؟ ارجو السرعة في الرد . وجزاكم الله خيرا.

حديث (من بدل دينه فاقتلوه)
سنده فيه نظر، فهذه الرواية غريبة، انفرد بها عكرمة مولى ابن عباس الذي ضعَّفه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل، فقد"قال ابن عمر لنافع: اتق الله، ويحك يا نافع، لا تكذب عليَّ كما كذب عكرمة على ابن عباس (…) وكان سعيد بن المسيب يقول لغلامه برد: لا تَكْذِب عليَّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس (…)وكان مالك لا يرى عكرمة ثقة، ويأمر أن لا يؤخذ عنه… وقال عنه أيوب: كان قليل العقل (…)وقال طاووس لو أن مولى ابن عباس اتَّقى الله وكفَّ من حديثه لشدت إليه المطايا (…)، قيل إن جنازته اتفقت وجنازة كُثَيِّر عزَّة بباب المسجد في يوم واحد، فما قام إليها أحد (…) وقال عنه ابن أبي ذئب: كان غير ثقة" . مع أن البخاري وعدد من الأئمة قد وثّقوه، غير أن هذا لا يعني أنه ثقة، بل هو إلى الضعف أقرب، ومن هنا أعرض عنه مالك ومسلم فلم يرويا له، إلا متابعة .
ومن باب آخر فإن "كثيرًا من العلماء يرى أن الحدود لا تثبت بحديث آحاد" ، بَلْهَ حديث آحاد غريب مداره على شخص متكلَّم فيه كثيرًا.
أما متنه: فلا يختلف مسلمان في أنه من العامّ الذي أريد به الخاصّ، فلا يقول مسلم بأن الحديث يشمل من بدل دينه من المسيحية إلى الإسلام، مع أن ظاهر الحديث يشمل هذا. إذًا، لا بد من تخصيص الحديث باتفاق. لكن التخصيص بحاجة إلى دليل، وقد لاحظنا أن الجمهور قد خصص الحديث بالمسلمين؛ أي من بدل دينه من المسلمين فاقتلوه، بينما خصص الأحناف الحديث بالرجال من المسلمين، أي من بدل دينه من رجال المسلمين فاقتلوه. وقد اعتمد الأحناف في هذا التخصيص العِلَّة المستنبطةَ من قتل المرتد وهي الحرابة. ومن هنا، أي من خلال عِلَّة الحرابة التي قال بها الأحناف، ألا يمكن تخصيص الحديث بالمحارب، بدلاً من الرجال؟ فالحرابة تتأتّى من النساء كما تتأتّى من الرجال، وفي عصرنا تقاتل المرأة كما يقاتل الرجل أحيانًا، فيصبح معنى الحديث بعد هذا التخصيص من بدل دينه من المسلمين وحارب فاقتلوه . ويؤيّد هذا التقييد عدد من الآيات القرآنية التي ذكرناها سابقًا.. منها قوله تعالى ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ ، وقوله سبحانه: ﴿ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾
وفي متن الحديث إشكال يرد حول تحريق عليٍّ للزنادقة، فهل يجهل عليٌّ رضي الله عنه حرمة التحريق؟ وأيهما أقرب إلى العقل أن نعتقد جهل الإمام عليٍّ بهذا الحكم المعلوم لدى عوام المسلمين، أم أن نرى خطأ عكرمة فيما نسبه إلى عليٍّ رضي الله عنه؟
فإذا ضُعّف الحديث سندًا ، وإذا ناقض عموم آياتٍ قرآنية ، وإذا كانت الحدود لا تؤخذ من أحاديث آحاد، وإذا تعددت احتمالات فهم الحديث، أفلا يسقط الاستدلال به على قتل عموم المرتدين؟
أما حديث ( لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلا بِإِحْدَى ثلاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ. )
فهو يأمر بقتل فئة معينة من المرتدين، وقد قُيِّدوا بتركهم الجماعة، وهو كناية عن الحرابة. فالحديث دليل على صحة ما ذهبنا إليه من أنّ المرتد المحارب هو الذي يُقتل. لكن هذا على فرض صحة الحديث سندًا، فكيف ومداره على الأعمش المعروف بتدليسه؟ فالحديث ضعيف الإسناد بسبب تدليس الأعمش. ولم أُردْ أن أوردَه في أدلة عدم قتل المرتد، لأني لا أراه صحيحا، أما من يرى صحته فهو حجة عليه في أن المرتد المحارب فقط هو الذي يُقتل، أي أن المرتد غير المحارب لا يُقتل ضمنًا.


 

خطب الجمعة الأخيرة