loader
 

السؤال: قال الشيخ المصرى ... أن المهدى سلام الله عليه قال أن الله مثل الإخطبوط و أنه ينام و يصحو و يصوم و يجامع فهل هذا صحيح و ما تفسيره رحمنا الله وهدانا جميعا

هذا الشيخ كذوب أو أنه يحدث بكل ما سمع، وكفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حاشا لله أن ينام أم يجامع أو يصوم أو يشبه البشر أو الحيوانات.
وفيما يلي ردّ تفصيلي لما جاء في حلقته

حتى كبراؤهم يحترفون الكذب
شاهدت قبل ساعات على موقع مسيحي تسجيلا لشيخ ينقل فيه افتراءات على جماعتنا الإسلامية الأحمدية. وقد علمتُ أن حلقته قد بُثَّت البارحة، أي أن هؤلاء النصارى قد سارعوا في وضع هذه الحلقة على موقعهم وكأنهم وجدوا كنـزا ثمينا.. كيف لا، وهم يجدون مُعينا لهم على جماعتنا الإسلامية رغم أنها لا تريد سوى خدمتهم عبر تحريرهم من أفهام مسيئة لله وأنبيائه؟ كما هي تسعى لخدمة هذا الشيخ وأمثاله من خلال توضيح المفاهيم الإسلامية التي أساءوا فهمها.
شاهدت هذه الحلقةَ على هذا الموقع، وتذكرتُ اجتماع هؤلاء ضدّ من يسعى جاهدا لإفادتهم وخيرهم وحبهم. ثم إني شكرت هذا الموقع أن أتاح لي فرصةَ توجيه هذا الشيخ حتى لا يقع فيما وقع فيه ثانية.
ولكن، ما سرّ هذا الحبّ بين النصارى والشيخ؟
تساءلت: أوافق النصارى على صدق ديننا ونبينا حتى قدّروا الشيخ وثبّتوا حلقته في موقعهم؟ ولكن تبين أن المسألة ليست حبا به، بل بغضًا لنا. ذلك أن هؤلاء القساوسة قد رأوْا بأم أعينهم انهيار الأفكار الباطلة التي ينسبونها إلى المسيح عليه السلام من تأليه ولعنة وصلب وفداء وكفارة من خلال قناتنا لضعف عقائدهم أصلا، فلجأوا إلى حيلة الهجوم على الإسلام لإثبات صدق عقائدهم، فحسب رأيهم ما دام الإسلام باطلا، فلم يبق سوى المسيحية، فرأيناهم يتهمون الإسلام بشتى التهم، وعلى رأسها النسخ والعنف والتفسيرات الخرافية، وقد فوجئوا حين علموا أننا لا نقول بذلك، فأُسقط في أيديهم.. فكان أن وجدوا فرصتهم في إثبات أننا لسنا بمسلمين، بل فرقة مغمورة يُكَفِّرها المسلمون جميعا. وهذا تفسير تلقُّفِهم برنامجَ الشيخ.
وقبل ألف وأربعمائة سنة اتّحد اليهود مع وثنيي مكة ضد نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد حكى الله رأيهم في قوله سبحانه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (النساء 51)، رغم أن اليهود يلتقون مع المسلمين في الإيمان بالله وبرفض الأوثان.. ولكن الحسد والكِبر قتلهم. وهؤلاء رغم أنهم يلتقون معنا في الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكتابه وتنـزيه المسيح عن لعنة الصليب ورفض عقيدة الفداء والكفارة.. إلا أنهم يرفضون أن يظلوا على الحياد في هذه المعركة الفكرية بيننا وبين النصارى، ويطلون علينا كل حين بأكاذيبهم المتكررة الممجوجة.
لماذا لا يهاجموننا فكريًّا؟
كان الأصل بهذا الشيخ أن يقول: أيها الناس، إن الأحمديين ينكرون وفاة المسيح، وينكرون عودته، وينفون النسخ عن القرآن الكريم بأنواعه الثلاثة العظيمة! وينفون قتل المرتد لمجرد ردته، وينكرون وجوب قتال العالم كافة، ويدّعون أن الإسلام لا يوجب إلا قتال المعتدين، وأنه لا يوجب قتال الناس لنشر الإسلام..
إنه لو تصدى لأفكارنا ومفاهيمنا ومعتقداتنا وحاول نقضها لكان هذا أجدر وأكثر جدوى.. فهذا الطريق لا يحتاج إلى أكاذيب، بل هو مختصر، ثم هو يفيد المسلمين! وينشر هذه الأفكار العظيمة! بينهم.
وحيث إنه لم يفعل شيئا من هذا، فهو دليل على أنه خجِلٌ من هذه العقائد الخاطئة، ولم يجد دليلا سوى نسخ كتب المفترين ولصقها.
لماذا لا نتعاون؟
حينما جاء الإسلام اعترف بالأديان السابقة.. ولم يجعل من هجومه عليها دليلا على قوته وصلاحيته، بل اعتبرها سلسلة مترابطة هو آخر عقدة فيها وذروتُها.. وهكذا حين بعث الله المسيح الموعود عليه السلام، فإنه امتدح مؤسِّسي الأديان المختلفة، وأعلن أنهم أنبياء، وأن أتباعهم قد شوّهوا صورتهم بأخطاء اقترفوها، بغضّ النظر أكان ذلك بقصد أم بغير قصد.
أما هذا الشيخ وأمثاله فإنهم لا يعرفون سوى التصادم والتشويه والكذب.. ما الخطأ لو تعاونّا معًا على قيم مشتركة؟ ما الجريمة لو اتّحدنا ضد مشوهي رسولنا صلى الله عليه وسلم؟ إذا كان هؤلاء القسس قد تعاونوا معك لمجرد معاداتنا فقط، أفلا يجب أن نتعاون على قيم مشتركة كثيرة نؤمن بها معا؟ ألا يمكن تأجيل بث هذه الأكاذيب التي ملأوا الدنيا بها؟
وبدورنا نؤكد أننا نقدّر كل عقيدة صحيحة، وكل فقه صحيح يقول به الشيخ، ولا نسعى إلا إلى تجنيبه الأفكار الباطلة بتسامح ومحبة وبرهان.
شروط الرد:
رغم أنه ليس مهمًا أن تردّ على أي فرقة، بل المهم أن تردّ على الفكر الباطل.. أي أنه ليس مهما أن تهاجم الناس، بل المهم أن تفنّد فكرهم الباطل.. ومع هذا نقول: دعنا من هذه النقطة، ولنسامحه فيها، لكن هل قام بالتزام ما يجب التزامه خلال ردّه –إن صحّ تسمية نَسْخِه ولَصْقِه ردًّا- على جماعتنا؟
إنه -ببساطة-لم يقرأ كتبنا، بل قرأ ما كُتب عنها. بمعنى أنه قرأ كتابا يفتري علينا أو أكثر، فَنَقَل افتراءاته من دون أن يعود إلى النص الأصلي الذي تمَ الاقتباس منه. وهذا لا يليق بمتعلم، فكيف بعالم معروف لدى الجماهير؟ لقد قلنا لمشوهي جماعتنا: نرجوكم أن تقرءوا كتبنا، نرجوكم أن تعودوا إلى الصفحة التي تذكرون أن النص الذي يسيء إلى الله أو إلى كتابه أو إلى رسوله موجود فيها، فاقرءوها كلها وفي سياقها، لتروا الحقيقة بأم أعينكم.. لا تتسرعوا ولا تشتموا أولياء الله، فإن لحومهم مسمومة، فمن أكلها بالاغتياب والبهتان عليهم فقد دعا إليه الردى. إننا، والله، نخشى عليكم.
الفتنة وتحذيرهم من مشاهدة قناتنا:
خلُص الشيخ في نهاية شتائمه إلى أنه لا يجوز سماع كلامنا، وأن على المسئولين أن يغلقوا قناتنا حتى لا تكون فتنة. فنقول: هذه وجهة نظر أبي جهل نفسه، فقد اعتبر الدعوة الإسلامية فتنة للسفهاء من قومه، وخشي من ضلالهم، لهذا كان اضطهاده وقسوته وتشويهه. ولكن، ماذا لو قال كل فريق الآن: إنه يجب إغلاق القناة الفلانية لأنها تؤدي إلى فتنة؟
إنّ الفتنة تعني اضطهاد الناس في دينهم لمحاولة إجبارهم على تركه. ولا تعني تأثر الناس بفكرة باطلة أو اقتناعهم بها. ما الذي يخشاه الشيخ على الناس من سماعنا؟ هل يخشى أن يؤمنوا بوفاة المسيح؟ فليقنعهم بحياته في السماء؟ هل يخشى أن يؤمنوا بتنـزيه القرآن عن النسخ؟ فليتحفهم بقصصه وخيالاته عن أنواعه الثلاثة. هل يخشى أن يصبحوا (كفرة) أحمديين يقولون بأن الإمام المهدي هو ابن الله كما افترى علينا؟ هل يمكن أن يقع مسلم عاقل في مثل هذا؟ ثم ما الذي يمنعه من ترك الأحمدية حين يجد مثل هذه الأفكار المكذوبة؟
إن الله تعالى قد امتدح المؤمنين بقوله (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ). فاسمعوا أيها الناس كلّ الأقوال، واسمعوا أيها الأحمديون دروس هذا الشيخ وغيره لتزدادوا بصيرة بصدق المسيح الموعود من خلال المقارنة.
وإذا كان يقصد بالفتنة الاقتتال الداخلي فليعلم أن مسببه الأول هو الافتراء، وليس نشر الفكر بوضوح وصراحة ومحبة وبرهان كما تقوم قناتنا بفضل من الله وحده.
إن المسلمين لم يواجهوا مشكلة عبر تاريخهم بسبب سماعهم أقوال الآخرين، بل المشكلة في اللامبالاة وإضاعة الوقت وسوء الأخلاق والجهل.. أما العلم فمعاذ الله أن يكون كذلك.. لقد أمر الله تعالى بالقراءة في أول آية من آياته، ونعى على الذين لا يسمعون بنقله قول الكفار (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير)، فهل يعقل أن تكون مشاهد قناتنا محرمة بعد هذا؟
فتوى المجامع والمشايخ وتقليد الآباء:
يبدو أن الشيخ عرف أن كثيرا من الناس لن يصدقوه فيما نقل من افتراءات وقد شاهدوا قناتنا مرات ومرات، فلجأ إلى سرد أقوال مكفِّرينا من مشايخ سبقوه. ويبدو أنه لا يعرف أن هؤلاء لا يختلفون عنه، حيث إن أكثرهم قد أصدروا قرار التكفير من دون قراءة كتبنا، بل من خلال كتب خصومنا. ونحن نقول: ليس مسلما من يؤمن بأن ميرزا غلام أحمد ابن الله، وليس مسلما من يفضله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس مسلما من يرى أن الحج إلى قاديان بدل مكة، وليس مسلما من يشبه الله تعالى بمخلوقاته، وليس مسلما من لا يؤمن بفرضية الجهاد.
ما الفرق بين اللجوء إلى أقوال هؤلاء ولجوء اليهود إلى أحبارهم وكبار رهبانهم حين كفروا المسيح عليه السلام قبل ألفي سنة؟ القصة هي هي.. علماء الدين غير الأتقياء يناصبون الأنبياء العداء.
الأخلاق:
ما دام المرء يجيز الكذب على خصومه، وما دام يظن بالآخرين ظن السوء، فإن أبوب الهداية وانشراح الصدر أمامه موصدة. إنه لا بد من الصدق وحسن الظن والتعاون على البر والتقوى وطهارة القلب تجاه الناس دائما. وفي هذا يقول المسيح الموعود عليه السلام: " كل من كانت له طبيعة مُعْوَجَّة، وليس بمخلص لله، فلا يستطيع أبداً أن يدرك تلك النعمة التي يؤتاها أصفياء القلوب، ما أسعدَ أولئك الذين يُصَفُّون أفئدتهم ويطهّرون قلوبهم من كل رجس، ويبرمون مع ربهم عهد الوفاء، فإنهم لن يضاعوا أبداً! ومن المستحيل أن يخزيهم الله لأنّهم لله وأنّ الله لهم، سيُعصمون عند كل بلاء. وسفيهٌ العدوُّ الذي يقصدهم بسوء لأنّهم في حضن الله وأنّ الله يحميهم. (سفينة نوح)
فيا أيها المشايخ، أتجعلون رزقكم أنكم تكذبون؟ ولماذا لا تحسنون الظن؟ ولماذا لا تتفكرون؟ يقول المسيح الموعود عليه السلام معددا بعض آيات صدقه: "ومنها أن الله أخبر هذا العبد بظهور الطاعون في هذه الديار، بل في جميع الأعطاف والأقطار، وقال: (الأمراض تُشاع والنفوس تُضاع)، فرأيتم افتراس الطاعون كما تفترس السّباع، وعاينتم كيف صال الطاعون على هذه البلاد، وشاهدتم كيف كثر المنايا في العباد، وإلى هذا الوقت يصول كما يصول الوحوش، ويجول كلّ يوم وينوش، وفي كلّ سنةٍ يرى صورته أوحشَ من سنة أولى، ثم وقعتْ على آثاره الزلازل العُظمى. وتلك الأنباء كلّها أُشيعتْ قبل ظهورها إلى البلاد القصوى. إنّ في ذلك لآية لمن يرى. وأخبره الله بزلزلة أُخرى وهي كالقيامة الكُبرى، فلا نعلم ما يُظهر الله بعدها، إن في ذلك لمقامَ خوفٍ لأولي النُّهى. فبيّنوا توجروا يا فتيان.. أهذا فعلُ الله أو تقوّل الإنسان؟" (الاستفتاء)
أقول: أيجرؤ مفترٍ على مثل هذا التحدي؟ في وقت الطاعون الجارف في بلاد الهند يعلن هذا دليلا على صدقه! يرفض أخذ التطعيم ويعلي صوته أن الطاعون له آية!
ألا تتفكرون؟ ألا ترجعون إلى أنفسكم ولو قليلا لعل الله يشرح صدوركم؟
إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا:
لقد أمرنا الله تعالى بالتبيّن، وأن لا نحكم قبل أن نسمع طرفي النـزاع. (يَا أَيُّهَا الذين آمنوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)
تحديث المرء بكل ما يسمع
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء كَذِبًا أن يحدث بكل ما سمع. (مسلم)
وقد رأينا الشيخ يقرأ كل ما وجده عند الخصوم، حتى كان يخطئ أحيانا في القراءة، بل يبدو أنه لا يدري ما المكتوب، ولا يعرف عن المراجع حتى اسمها أحيانا، فقد استدل بعبارة نسبها إلى كتاب (بيغام صلح)، وقال إنه قد صدر في إبريل من عام 1933، علما أن هذا كتاب للمسيح الموعود عليه السلام وليس مجلة كما توهم. وكذلك أشار إلى مجلة التقوى باعتبارها كتابا للمسيح الموعود عليه السلام.
إخفاء العقائد خداعا:
يرى كثير من المشايخ أننا نخفي بعض العقائد حتى نضلل الناس ونخدعهم، وأننا نظهر إسلاما وقلوبنا منافقة. وهذا هو سر خطورتنا.
الحق أن هذه كذبة محضة. ولكن الأهم من هذا أنها كذبة غير عقلانية؛ فنحن ندعو كل الناس، أحمديين وغير أحمديين أن يقرءوا كتب المسيح الموعود عليه السلام كلها، فأين هذه الأمور المخفية؟
لقد كتب المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام أكثر من ثمانين كتابا، وهي مجموعة في ثلاثة وعشرين مجلدا، كما جمع صحابته أقواله في عشرة مجلدات، وإعلاناته في ثلاثة مجلدات.. وهي منشورة في كل العالم، وعلى الانترنت، ونسعى لترجمتها لأهم اللغات.. فأين الأسرار؟
كما أن الله تعالى قد علَّم المسيح الموعود عليه السلام اللغة العربية بفضل منه سبحانه، فطفق يكتب بها، ووجدْنا فيها ما أطفأ ظمأَنا والحمد لله على نِعَمِه.
لكن هذه التهمة بسبب سوء ظنه، وهي تهمة سخيفة. ثم ما الذي يمنع أحدهم أن ينضم إلى جماعتنا بنية كشف هذه المسائل؟ وما أسهل هذا! فَقَبْل خمسين سنة بعث بعض المشايخ شخصًا ليعلن انضمامه إلى جماعتنا، من ثمّ ليقوم بما يظهر إخلاصه، وسرعان ما انقضّ على الخليفة الثاني في صلاة الفجر بطعنة بخنجر مسموم، ولكن الله سلّم. فالخُلُق الذي مكَّنهم من هذه المكيدة الدنيئة يمكّنهم من معرفة هذه الأسرار!
الرد على ما جاء في حلقته تفصيلا:
1-عقيدتنا في الله
قبل الردّ على ترهاته بشأن تشبيه الله بمخلوقاته، أنقل فقرة مما قاله المسيح الموعود عليه السلام في الله تعالى ما تعريبه:
"إن إلهنا هو ذلك الإله الذي هو حيٌّ الآن كما كان حيًّا من قبل، ويتكلم الآن كما كان يتكلم من قبل، ويسمع الآن كما كان يسمع من قبل. إنه لظَنٌّ باطل بأنه سبحانه وتعالى يسمع الآن ولكنه لم يعد يتكلم. كلا، بل إنه يسمع ويتكلم أيضًا. إن صفاته كلها أزلية أبدية، لم تتعطل منها أية صفة قط، ولن تتعطل أبدًا. إنه ذلك الأحد الذي لا شريكَ له، ولا ولدَ له، ولا صاحبةَ له. وإنه ذلك الفريد الذي لا كفوَ له... إنه قريب مع بُعده، وبعيد مع قربه، وإنه يمكن أن يُظهر نفسه لأهل الكشف على سبيل التمثُّل، إلا أنه لا جسمَ له ولا شكلَ.... وإنه على العرش، ولكن لا يمكن القول إنه ليس على الأرض. هو مجمع الصفات الكاملة كلها، ومظهر المحامد الحقة كلها، ومنبع المحاسن كلها، وجامع للقوى كلها، ومبدأ للفيوض كلها، ومرجع للأشياء كلها، ومالك لكل مُلكٍ، ومتصفٌ بكل كمالٍ، ومنـزه عن كل عيب وضعف، ومخصوص بأن يعبده وحده أهلُ الأرض والسماء." (الوصية، الخزائن الروحانية ج20 ص 309 -310)
وقبل الرد كذلك لا بد من ذكر مثال: تخيل أن نصرانيا قال: إن محمدا يصف الله تعالى بأنه يمرض ويجوع ويعطش.. فسألناه من أين لك هذا؟ فقال: من الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي.
سنقول له: أنت كذاب رغم أن هذه الكلمات موجودة، لكنها ليست بهذا التسلسل ولا بهذا السياق. فالحديث بنصه يقول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ. يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي. يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي.
وحتى لا نتخيل دعونا نقرأ قول اليهود الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء. وقد استدلوا على فكرتهم السامية! من الآية إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم. فما دام الله يستقرض فهو فقير!
وهذان المثالان يوضحان بعض ما قال، وأما البعض الآخر فهو أكثر كذبا من هذا.
وقد ذكر الشيخ أننا نؤمن أن الله يصلي ويصوم وينام ويصحو ويكتب ويوقع ويصيب ويخطئ ويجامع ويلد ويتجزأ ويجسد ويشبه. والدليل ما كتبه المسيح الموعود في كتابه البشرى حيث قال: قال الله لي: إنني أصلي وأصوم وأصحو وأنام.
فأقول: ليس للمسيح الموعود عليه السلام كتاب بهذا الاسم، بل هذا اسم مجلة شهرية. ثم إن هذا النص ليس موجودا. أي أن الشيخ قد كذب مرتين في عبارته هذه. ويمكن للناس أن يتبينوا من مصداقيته!
ولكن نقول للشيخ: صلاة الله مذكورة في القرآن الكريم (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)، فهل تقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ينسب إلى الله الصلاة في القرآن الكريم؟ أم تقول: إن الصلاة من الله تعني الرحمة ومن الملائكة تعني الاستغفار، رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يَرِد عنه هذا التوضيح، ولكننا إذ نؤمن بصدقه نعود إلى المحكم من القرآن الذي جاء به لنفهم في ضوئه المتشابَه، فرجعنا فقلنا بهذا التفسير. فلماذا لا تكون هذه كتلك؟
وإني على يقين أن هذا التوضيح كافٍ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومع هذا فسأضيف بالنسبة إلى صوم الله الذي ورد في إلهام "إني مع الرسول أقوم، ومن يلومه ألوم، أفطر وأصوم "؟ فقد أراد الله سبحانه وتعالى من هذا الإلهام لسيدنا أحمد عليه السلام أن يؤكد له على أنه معه ويقوم بأمره ضد أعدائه وينصره على من يخالفه، ويلوم ويعاقب من يلومه. ثم قال: "أفطر وأصوم"، وقد شرح سيدنا أحمد بنفسه هذا الإلهام كما يلي: "... ومن البديهي أن الله سبحانه وتعالى مُنـزّه عن الصوم والإفطار، وهذه الكلمات لم تُنسب إليه حرفيا على ظاهرها، بل استُعمِلت على سبيل الاستعارة، ومقصدها أن الله هو القهّار والجبّار، وأنه أحيانا يُنزل قهره على الناس، وأحيانا يمهلهم إمهالا (للتوبة) ..... ومثل هذه الكلمات وردت في الحديث القدسي أيضا...". (حقيقة الوحي ص104)
والحديث القدسي الذي أشار إليه سيدنا أحمد عليه السلام هو ذلك الذي أوردنا سابقا. ففي هذا الحديث القدسي ذكر الله سبحانه ثلاث كلمات هي: "مرضتُ"، "استطعمتك"، "استسقيتك". ولكن من الواضح أن استعمال هذه الكلمات قد جاء على سبيل الاستعارة، فتعالى الله عن أن يصيبه مرض أو جوع أو عطش. وكذلك في الوحي الذي نحن بصدده.. إن الله لا يفطر ولا يصوم بالمعنى الحرفي، فهو استعارة أيضًا.
وأما أن الله يخطئ ويصيب الذي جاء في إلهام "إني مع الأفواج آتيك بغتة، إني مع الرسول أجيب، أخطي وأصيب"، فالمقصود من هذا الوحي أن الله سبحانه وتعالى سوف يؤيد سيدنا أحمد عليه السلام، وأنه سوف ينصره بالأفواج السماوية التي تأتي لنصرته، وأن هذه النصرة سوف تأتي بغتة وتُفاجئ أعداءه ومعارضيه، تماما كما يؤيد الله سبحانه وتعالى أنبياءه ورسله وينصرهم على أعدائهم في الوقت الذي يظن فيه هؤلاء أنهم قد نجحوا في محاصرة الدعوة الجديدة للقضاء عليها.
والمقصود من كلمة "أخطي" التي أصلها كلمة "أخطئ" هو أن الله تعالى إذا شاء لا ينفذ حكمه أحيانا على الناس بل يُمهلهم ويمدّ لهم، فكأن قدره وعذابه وعقابه قد أخطأهم، بمعنى أنه لم يصبهم. وتعني كلمة "أصيب" أنه تعالى إذا شاء ينفذ حكمه وإرادته، ويقضي بتنفيذ عقابه وظهور جلاله وتجلّي جبروته على الناس.
وقد شرح سيدنا أحمد عليه السلام هذا الإلهام فقال: "سبحانه وتعالى من أن يخطي، فقوله أخطي قد ورد على طريق الاستعارة كمثل لفظ التردد المنسوب إلى الله تعالى في الأحاديث" (الخزائن الروحانية ج22-كتاب حقيقة الوحي ص714). ومن المعروف أنه قد ورد في الحديث القدسي الشريف قوله تعالى: "وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن" (صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع). وفي هذا الحديث يقول تعالى أنه يتردد في قبض روح المؤمن، ولكن هذا القول وارد بأسلوب الاستعارة، إذ تعالى الله عن أن يأخذه التردد وكأنه لا يعرف ماذا يريد أن يفعل كشأن الإنسان الذي يتردد في فعل أمر لأنه لا يأمن عواقبه ولا يدري نتائجه!
كذلك فقد ورد نفس أسلوب استعمال الاستعارة في القرآن الكريم، إذ نسب الله تعالى لنفسه النسيان حيث قال: (فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَذَا). ولا شك أن كلمة {نَنْسَاهُمْ} في هذه الآية لا تؤخذ بحرفيتها وإنما هي استعارة تفيد أن الله تعالى سيتجاهلهم كما تجاهلوا هم لقاء ذلك اليوم. فالله تعالى منـزّه عن النسيان والتردد والخطأ، ولكنها كلها كلمات ذُكرت على سبيل الاستعارة ولا اعتراض عليها.
وبالنسبة إلى تهمة أن الله يجامع أو أن له ولدا، فهذه من سقيم أفهامهم وسوء أدبهم وغبائهم في كذبهم، فمن يصدقهم في مثل هذه الكذبة؟ فأي انحدار هذا الذي إليه يصلون؟ وأي انحطاط هم فيه خالدون! وقد أتوْا بها من خلال تشويه هذا الإلهام: "أنت من مائنا وهم من فشل"، وقد شرح سيدنا أحمد عليه السلام بنفسه هذا الإلهام فقال ما تعريبه من الأردية:
"... الماء (هنا) هو ماء الإيمان والاستقامة والتقوى والوفاء والصدق وحب الله عز وجل الذي يكتسبه الإنسان من الله سبحانه وتعالى. والمقصود هنا من كلمة "فشل" هو الجبن والخيبة اللذان يأتيان من الشيطان، وإن أصل الكفر والفحش هو الجبن والخيبة..." (الخزائن الروحانية ج11- كتاب: نهاية آتهم "أنجام آتهم" ص56 بالحاشية)
وهكذا يتضح أن المقصود من كلمة "ماء" هو ماء الإيمان.. ماء التقوى.. ماء الاستقامة.. ماء الوفاء الذي يُنزله سبحانه ويهبه لسيدنا أحمد المسيح الموعود عليه السلام من فضله ورحمته.
وبالنسبة إلى التجسد والتشبيه فمعاذ الله أن يقول المسيح الموعود عليه السلام بمثل هذا، بل هذا الشيخ ومدرسته من يؤمن أن لله يدا ورجلا وعينا وأيدٍ وعينين، وهو ومدرسته من لا ينـزه الله عن المكان.. ولا ريب أن القائل أدرى بمراده من قوله، وشرحُه يُقدَّم على كل تفسير، فما دام المسيح الموعود قد شرح عبارته فلا يجوز شرحها بغير ذلك، وما دام فلان قد شرح قصده من أي عبارة قالها، فلا يُلتفت إلى شرح الناس.
وأما النص الذي نقل بعضه واتهم فيه المسيح الموعود بأنه يُشَبّه الله بالأخطبوط، فهي كذبة لا تختلف عن سابقتها، لقد كان المسيح الموعود يبين بأن الله تعالى هو عِلّة العِلل الذي تقوم بوجوده كل الموجودات. ثم يقول: إن علاقة الله بالمخلوقات والعالمين جميعا كعلاقة الروح بالجسد، فكما أن جميع الأعضاء تكون تابعة لإرادة الروح وتميل حيثما مالت الروح، فالأمر ذاته بالنسبة إلى العلاقة بين الله ومخلوقاته.
ثم يقول: لقد كشف عليَّ الحكيمُ مُطلقُ الحكمةِ هذا السرّ؛ بأن هذا الكون كله مع جميع أجزائه هو كالأعضاء التي لا تقوم بنفسها، بل تستمد القوة كل حين من ذلك الروح الأعظم من أجل تنفيذ أفعال علّة العِلل تلك وإراداتِها، كما تكون جميع قوى الجسم بوجود الروح فيه، وبعض أشياء هذا الكون -الذي هو بمنـزلة الأعضاء لذلك الروح الأعظم- هي بمنـزلة نور وجهه سبحانه وتعالى التي تمدّ بالنور ظاهرًا أو باطنًا بحسب إراداته سبحانه وتعالى، وبعض هذه الأشياء هي بمنـزلة يده، وبعضها بمنـزلة رجله، وبعضها بمنـزلة نَفَسِه سبحانه وتعالى. باختصار، إن مجموعة هذا العالم هي بمنـزلة الجسم بالنسبة إلى الله تعالى، وكل ما لهذا الجسم من رونق وبهاء وحياة إنما هو بسبب ذلك الروح الأعظم الذي هو قيّومه. وكلما تحركت إرادة ذلك القيوم تحركت أعضاء هذا الجسم كلها أو بعضها بحسب ما يقتضيه القيوم.
لتصوير البيان المذكور أعلاه يمكننا أن نفرض على سبيل التخيّل أن قيّوم العالمين هو وجود أعظم له أعضاء من أيدٍ وأرجل تخرج عن حدّ الإحصاء والطول والعرض، وأنّ لهذا الوجود الأعظم خيوطًا -كما تكون للإخطبوط- تصل إلى أنحاء صفحة الوجود كله وتعمل عمل الجاذبية، وهذه الأعضاء هي نفسها التي تسمى العالم. وكلما تحرَّك قيّوم العالم حركة جزئية أو كلية فلا بد من أن تحدث حركة في أعضاء هذا العالم، وسوف ينفذ جميع إراداته من خلال هذه الأعضاء وليس بطريق آخر. فهذا هو المثال الوحيد سهل الفهم لهذا الأمر الروحاني. (طبعة الخزائن الروحانية، مجلد3، توضيح المرام، ص88-90 وبحسب الطبعة السابقة ص75)
لقد كان المسيح الموعود عليه السلام قبل ذلك يتحدث عن دور الملائكة، وهنا يبين بمثال لتسهيل الفهم كما قال ليس أكثر.
وأما أن الله يوقِّع فإن هذا كشف، وليس على الحقيقة. ورؤية الله في الكشف لها معنى، وإذا أراد الشيخ معرفة هذه الأمور فليرجع إلى أي كتاب في تفسير الرؤى والأحلام.
وبالنسبة إلى الوحي الذي يقول الله فيه: "أنت مني وأنا منك، أنت مني بمنـزلة ولدي"
فهذه الكلمات الإلهامية تدل على علاقة المودة والمحبة التي كانت بين الله تعالى وبين سيدنا أحمد عليه السلام. وقد استُعمِل نفس هذا الأسلوب في القرآن المجيد وفي الأحاديث الشريفة وفي كلام العرب بغرض إظهار غاية المحبة والمودة بين المتكلم والمخاطب. فقد ورد في القرآن الكريم على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام: (فَمَنْ تَبِعَنيِ فَإِنَّهُ مِنيِّ)، ولا يقول عاقل إن كلمة "مني" تعني أن كل من اتبع سيدنا إبراهيم عليه السلام قد أصبح من أولاده، بل هي تدل على غاية الحب بينه وبين أتباعه حتى لكأنهم صاروا مثل أولاده. كذلك ورد في القرآن المجيد بأن طالوت قال لجنوده: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنيِّ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّي). ولا يُفسر أحد هذه الآية بأن كل من لم يشرب قد صار من أولاد طالوت، بل تعني أن من شرب لن يكون من أتباع طالوت، وأن من لم يشرب فهو مع طالوت وطالوت معه.
وقد فسر سيدنا أحمد عليه السلام هذا الوحي، وشرح معناه بكل الوضوح، ولكن المعارضين يتجاهلون ذلك الشرح والتفسير، ويحاولون أن يؤوّلوه كما يحلو لهم حتى يُضلّوا خلق الله ويصرفونهم عن الحق. ويتلخص تفسير المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام لهذا الوحي أن قوله تعالى: "أنت مني" يعني أنك مبعوث من قِبَلي، وقوله: "أنا منك" يشير إلى وحدانية الله التي فُقِدت في العصر الحاضر بين الناس، حيث يُنكر الملحدون وجود الله تعالى، ويزعم المسيحيون أن الله ثالث ثلاثة، واتخذ اليهود أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، واتخذ غيرهم من البشر مثل الهندوس والبوذيون وغيرهم رجالا رفعوهم إلى مرتبة الآلهة كما فعل المسيحيون بعيسى بن مريم عليه السلام، وانصرف المسلمون عن جوهر الشريعة وتمسكوا بالمظهر حتى يكاد ينطبق عليهم قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ). ففي هذه الظروف يقول تعالى لعبده الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام: "أنا منك" إشارة إلى أن وحدانية الله المفقودة في هذا العصر.. عصر الإلحاد وفقدان الإيمان وانتشار التثليث والشرك.. هذه الوحدانية سوف تعود وتعلو وتظهر بواسطتك وبواسطة جماعتك.
وأما ما جاء من قول الله تعالى في وحي سيدنا أحمد عليه السلام: "أنت مني بمنـزلة ولدي"، فهو يماثل قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: "الخلق عيال الله، فأحب الخلق إلى الله من أحسن إلى عياله" (المشكاة، باب الشفقة والرحمة على الخلق، الفصل الثالث، ومرقاة المفاتيح ج9 ص244). وقد فسّر سيدنا أحمد عليه السلام بنفسه هذا الوحي فقال:
"... سبحان الله وتعالى أن يكون له ولد، ولكن هذا استعارة كمثل قوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ)، والاستعارات كثيرة في القرآن ولا اعتراض عليها عند أهل العلم والعرفان، فهذا القول ليس بقول منكر، وتجد نظائره في الكتب الإلهية وأقوال قوم روحانيين يسمّون بالصوفية، فلا تعجلوا علينا يا أهل الفطنة..." (الخزائن الروحانية: ج22- كتاب: الاستفتاء ص709).
كذلك لا يغيب عن البال أن الله تعالى قد بعث سيدنا أحمد عليه السلام وجعله المسيح الموعود، أي جعله مثيلا لعيسى ابن مريم عليه السلام، وحيث أن المسيحيين قد غلوا في أمر المسيح بن مريم واعتبروه ابن الله وأنه وحده من دون الخلق جميعا الذي يعتبر "ولد الله" والعياذ بالله، لذلك أراد سبحانه أن يُبيّن مرتبة رسوله الأعظم وسيد الخلق أجمعين عليه وعلى أهله وأصحابه وأتباعه أفضل الصلاة والتسليم، فبعث رجلا من خدام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أتباعه، وجعله مثيلا لذلك الذي اتخذه النصارى "ولد الله"، وقال له أنت بمنـزلة ذلك الذي زعموا أنه ابن الله، وكأنه سبحانه يُبكّت أولئك المغضوب عليهم والضالين الذين ذكر تعالى عنهم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ)، فكأنه سبحانه يقول إنني جعلت واحدا من خدام محمد صلى الله عليه وسلم في منـزلة ذلك الذي زعمتم أنه ولدي، فإذا كانت هذه منـزلة الخادم، فما أعظمها وأرفعها وأعلاها منـزلة السيد الذي أنتم عنه غافلون!
وبالنسبة إلى إلهام (كأن الله نزل من المساء) فهذا الوحي كان بشرى من الله سبحانه وتعالى لسيدنا أحمد عليه السلام، وكان يتعلق بولادة غلام له فقال سبحانه: "إنّا نبشرك بغلام مظهر الحق والعلا، كأن الله نزل من السماء" (تذكرة ص 281). وكانت هذه البشارة طبق السُنّة الإلهية، كما ورد في القرآن المجيد أن الله تعالى بشَر بعض عباده بولادة أبناء لهم، فقال أنه قد بشّر إبراهيم بولادة إسماعيل عليهما السلام (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ)، وبشّره أيضا بولادة إسحاق، وبشّر الله تعالى زكريا بولادة يحيى عليهما السلام، كما بشر الله تعالى السيدة مريم بولادة المسيح عليهما السلام.
يعترضون على الإلهام: "كأن الله نزل من السماء"، ولا يقرءون حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يتنزّل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الأخير". (صحيح البخاري). فهل يعني هذا الحديث أن الله تعالى يغادر عرشه وينزل بالفعل إلى السماء الدنيا في الجزء الأخير من الليل؟ ألا يعلمون أنه في كل لحظة هنالك ثلث أخير من الليل في منطقة من مناطق الكرة الأرضية؟ أيظل الله نازلا إذًا، والعياذ بالله؟
إن نزول الله من السماء يعني أنه يكون أقرب إلى العبد الذي ينهض من فراشه في الثلث الأخير من الليل ويدعو ربه ويناجي خالقه، ولا يعني نزول الله إلى السماء الدنيا أنه ينتقل فعلا كما ينتقل البشر من مكان إلى مكان، وعلى ذلك فحين يوصف ذلك الغلام المبارك بأن مجيئه يكون كأن الله نزل من السماء، فإن هذا يعني أن هذا الغلام سيكون وسيلة لتقريب الناس إلى الله تعالى وهدايتهم إليه، وبذلك فإنه سيكون "المصلح الموعود" الذي يهبه الله تعالى قوة ربّانية وقدرة روحانية فيكون سببا لهداية الكثير من خلق الله.
وقد وُلِدّ ذلك الغلام المبارك بتاريخ 10 جمادى الأول 1306هـ الموافق 12 كانون الثاني (يناير) 1889م، وكان متصفا بجميع الأوصاف والصفات المذكورة في الوحي الذي تلقاه عنه سيدنا أحمد عليه السلام، وأصبح بذلك برهانا على صدقه. بل إنه أصبح برهانا على عظمة الله تبارك وتعالى وصدق رسوله الأكرم سينا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن أعداء الإسلام طلبوا من سيدنا أحمد عليه السلام آية تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وعلى صدق دين الإسلام وتكون برهانا على أن الإله الذي يعبده المسلمون هو إله حي قيوم يتكلم ويستجيب أدعيتهم. فالحمد لله أنه سبحانه قد أراهم هذه المعجزة العظيمة التي ظلت مشرقة في سماء العالم، ونوّرت الدنيا على مدى 75 عاما، بل ما زالت الجماعة الإسلامية الأحمدية تستفيد من العلم الرباني الذي تركه ذلك الغلام المبارك، ومن كتبه صعبة الحصر، ومن تفسيراته العظيمة، وأنظمته ومشاريعه التي أقامها، والتي ستظل ثمارها تجود بخيرها إلى يوم القيامة إن شاء الله.
وبهذا ثبت كذب الشيخ في أول نقطة وأطولها.

عقيدتنا في الرسول صلى الله عليه وسلم:
قبل أن نبدأ بالرد على تشويهات الشيخ ونقله من غير تحرٍّ، نورد شيئا من أقوال المسيح الموعود بشأن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر عليه السلام مرارا وتكرارا أنه خادم أمين لسيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال:
لاَ شَكَّ أَنَّ مُحَمَّدًا خَيْرُ الْوَرَى رِيقُ الْكِرَامِ وَنُخْبَةُ الأَعْيَانِ
يَا سَيِّدِي قَدْ جِئْتُ بَابَكَ لاَهِفًا وَالْقـَوْمُ بِالإِكْفَارِ قَدْ آذَانِي
انْظُرْ إِلّيَّ بِرَحْمَةٍ وَتَـحَـنُّنٍ يَا سَيِّدِي أَنَا أَحْقَرُ الْغِلْمَانِ
وقال:
وَاللهِ إِنِّي قَـدْ تَبِعْتُ مُحَمَّدًا وَفي كُلِّ آنٍ مِنْ سَنَاهُ أُنَوَّرُ
وقال كذلك في مؤلفاته:
• إن كل ذرّة من وجودي فِدَى سبيله، إذ إنني قد شاهدت أخفى محاسن محمد صلى الله عليه وسلم
• إنني لا أعرف أحدًا من الأساتذة، إذ إنني تعلمت في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم
• لقد أَعطيتُ الناس نبع المعارف الجاري، وليس هذا إلاّ قطرة من بحر محمد صلى الله عليه وسلم
• إن الله سبحانه وتعالى شرّفني بمكالمته ومخاطبته، وحصل لي هذا الشرف باتّباع النبي صلى الله عليه وسلم وحده، ولو لم أكن من أمّته ولم أتّبعه، وكانت لي من الأعمال ما يُقابل جبال الأرض، لما كان من الممكن لي قط أن أتشرّف بالمكالمة والمخاطبة الإلهية، لأن النبوّات كلها قد انقطعت إلاّ النبوة المحمدية. فلا يمكن أن يأتي نبي مُشرّع، أمّا بعث نبي بغير شريعة فمن الممكن بشرط أن يكون ذلك أولا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. (تجليات إلهية ص28)
ويقول حضرته عليه السلام، مبينا أن كمال النبي صلى الله عليه وسلم وأفضليته على جميع الأنبياء اقتضى أن يكون الوحي النازل عليه هو الوحي الأقوى والأكمل، ما تعريبه:
"بما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفضل الأنبياء كلهم وأعلاهم وأكملهم وأرفعهم وأجلاهم وأصفاهم في كافة مقتضيات الطهارة الباطنية وانشراح الصدر والعصمة والحياء والصدق والصفاء والتوكل والوفاء وحب الله، لذا فقد عطّره الله جلَّ شأنه بعطور الكمالات الفريدة أكثر من غيره. والصدر والقلب اللذان كانا أكثرَ رحابةً وطهارةً وبراءةً وتعشقًا من صدور وقلوب الأولين والآخرين، استحقا بجدارة أن ينـزل عليهما وحيٌ أقوى وأكمل وأرفع من وحي الأولين والآخرين جميعا، ليكون مرآةً جدَّ صافيةٍ وواسعةٍ لانعكاس الصفات الإلهية." (سرمه جشم آريا، الخزائن الروحانية ج 2 ص 23)
ولقد بين حضرته أنه ليس للبشرية مِن نبي ولا شفيع إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأنه يجب على المسلمين أن يحبوه حبا عظيما صادقا يليق بمقامه، وألا يفضلوا عليه صلى الله عليه وسلم أحدا بشكل من الأشكال كي ينالوا النجاة. فقال حضرته ما تعريبه:
"الآن لا رسولَ ولا شفيعَ لبني آدم كلهم إلا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم. فعليكم أن تسعَوا جاهدين لإنشاء رابطة حب صادق بهذا النبي ذي الجاه والجلال، ولا تفضِّلوا عليه غيرَه بشكل من الأشكال، لكي تُكتبوا في السماء من الناجين. وتَذكَّروا أن النجاة ليست شيئا يظهر بعد الموت، وإنما النجاة الحقيقية هي تلك التي تكشف نورَها في هذه الدنيا نفسِها." (سفينة نوح، الخزائن الروحانية ج 19 ص 13-14)
وبعد هذه الأقوال الواضحة في أن سيدنا أحمد عليه السلام لا يرى في نفسه إلا خادما لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، يلجأ الخصوم المحرفون إلى عبارات يحملونها ما لا تحتمل؛ فراحوا يزعمون أنه يُفضل نفسه على أنبياء الله، وأنه قد ادّعى بأنه أفضل من جميع الأنبياء، لأنه قال إن الله جعله أفصح المتكلمين، وقد وُهِبت له المملكة السماوية الروحانية، وأن الله وهب له علم الأولين والآخرين. وقد استدلوا على هذه الفرية من كلام المسيح الموعود الذي كتبه عليه السلام متحدثا بنعم الله عليه فقال:
"... إنه جمع في نفسي كل شأن النبيين على سبيل الموهبة والعطاء، فهذا هو الحق الذي فيه يختلفون. لا يعود إلى الدنيا آدم، ولا نبينا الأكرم، ولا عيسى المتوفى المتهم، سبحان الله وتعالى عما يفترون. أليس هذا الزمان آخر الأزمنة؟ ما لكم لا تَفكَّرون؟..." (الخزائن الروحانية: ج16 - كتاب: الخطبة الإلهامية ص324)
وليس المقصود من هذه العبارات كلها إلا أن الله تعالى قد منحه هذه النِّعم الإلهية أكثر من الآخرين في عصره، فالمقارنة مع مَن في عصره وليس مع الناس عبر التاريخ الإنساني، وهذا مثل قول الله تعالى (يَا بَني إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)، ولا يقول مسلم إنهم أفضل من العالمين بما فيهم خير أمة أُخرجت للناس، بل هم فُضّلوا على معاصريهم. وقد كتب سيدنا أحمد عليه السلام عن إلهام "اصطفيتك على العالمين" ما تعريبه: "... إن الله سبحانه أخبرني قائلا أنا فضّلتك على جميع الناس الذين كانوا في عصرك" (الخزائن الروحانية:ج17 ص364).
فكيف نسمي من يترك تلك العبارات الكثيرة في كلام المسيح الموعود ثم يأتي لعبارة أو عبارتين ويشوههما بهذه الطريقة؟
وبالنسبة إلى عبارة (ولكي يثبت الله أنني مبعوث من عنده فقد أرى من الآيات الكثيرة ما لو وزعت على ألف نبي لثبتت بها نبوتهم) (عين المعرفة، الخزائن الروحانية، مجلد 23، 332)
فهذه لا تعني إلا أن الله تعالى قد أيّد المسيح الموعود عليه السلام بمئات الآيات الدالة على صدقه، وأن كل واحدة منها كافية لإثبات صدقه. ولا علاقة لذلك بأنه أفضل من غيره من النبيين، ولا تلازم بين كثرة الآيات والأفضلية. بل كثرة الآيات بسبب كثرة المعارضين وشدة عنادهم. وهذا ما يوضحه المسيح الموعود (ع) مباشرة، حيث يتابع يقول: "لما كان هذا الزمن هو الزمن الأخير الذي قد قام الشيطان فيه بالهجوم الأخير مع ذريته، فجمع الله تعالى فيه آلاف الآيات لإلحاق الهزيمة بالشيطان، ولكن الذين هم شياطين من الإنس لا يؤمنون، ولا يبرحون يعترضون بغير الحق كذبا وافتراء، ويريدون أن تُباد هذه الجماعة التي أقامها الله تعالى، ولكن الله تعالى يريد أن يقوّي هذه الجماعة بيده حتى تبلغ كمالها." ((عين المعرفة، الخزائن الروحانية، مجلد 23، 332)
وما دام المسيح الموعود عليه السلام يقول إنه جاء لتأييد الإسلام، فكل آية من آياته تعتبر آية لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أكد المسيح الموعود عليه السلام مرارا أنه تلميذ له صلى الله عليه وسلم.
وبهذا بطلت كذبته الثانية حول تفضيل المسيح الموعود نفسه على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
عقيدتنا في القرآن الكريم:
قال الشيخ مفتريا إن المسيح الموعود يعتبر وحيه كالقرآن.
فنقول: لعنة الله على الكاذبين.
كل ما في الأمر أن المسيح الموعود عليه السلام يؤمن بصدق الوحي النازل عليه كما يؤمن بصدق القرآن، ولم يقل إنه يؤمن بعظمة وحيه وأهميته كما يؤمن بعظمة القرآن وأهميته. فالمسيح الموعود عليه السلام وصف القرآن العظيم بأبلغ العبارات، حيث يقول حضرته عليه السلام في وصف القرآن الكريم وما يراه فيه من الجمال والكمال ما نصه: "والله إنه دُرّة يتيمة. ظاهره نور، وباطنه نور، وفوقه نور، وتحته نور، وفي كل لفظه وكلمته نور. جنّة روحانية، ذُلِّلتْ قُطوفها تذليلا، وتجري من تحته الأنهار. كل ثمرة السعادة توجد فيه، وكل قبس يُقتبس منه، ومِن دونه خَرْطُ القَتاد. موارد فيضه سائغة، فطوبى للشاربين. وقد قُذف في قلبي أنوار منه ما كان لي أن أستحصلها بطريق آخر.
ووالله، لولا القرآن ما كان لي لطف حياتي. رأيتُ حسنه أَزْيَدَ من مائة ألف يوسف، فملتُ إليه أشد ميلي، وأُشْرِبَ هو في قلبي. هو رباني كما يربَّى الجنينُ. وله في قلبي أثر عجيب، وحسنه يراودني عن نفسي. وإني أدركت بالكشف أن حظيرة القدس تسقى بماء القرآن. وهو بحر مواج من ماء الحياة، من شرب منه فهو يحيا بل يكون من المحيين.
ووالله إني أرى وجهه أحسن من كل شيء. وجهٌ أُفرِغَ في قالب الجمال، وأُلبس من الحسن حلّةَ الكمال. وإني أجده كجميل رشيق القد، أسيلِ الخد، أُعطيَ لـه نصيب كامل من تناسب الأعضاء، وأُسبغت عليه كل ملاحـة بالاستيفاء، وكل نور وكل نوع الضياء. وضيئٌ.. أعطي له حظ تام من كل ما ينبغي في المحبوبين من الاعتدالات المرضية، والملاحات المتخطفة، كمثل حَوَرِ العيون، وبَلَجِ الحواجب، ولَهَبِ الخدود، وهَيَفِ الخصور، وشَنَبِ الثغور، وفَلَجِ المباسم، وشممِ الأنوف، وسَقَمِ الجفون، وتَرَفِ البنان، والطُّرر المزينة، وكل ما يُصبي القلوبَ ويسرّ الأعين ويُستملح في الحسين.
ومِن دونه كل ما يوجد من الكتب، فهي نَسَمة خِداجٍ، أو كمضغة مسقَطة غيرِ دِماج، إن كانت عين فلا أنف، وإن كان أنف فلا عين، وترى وجوهها مكروهة مسنونة ملوَّحة. ومثلها كمثل امرأة إذا كُشف برقعها وقناعها عن وجهها فإذا هي كريهة المنظر جدا، قد رُمي جفنُها بالعَمَش وخَدُّها بالنَمَش، وذوائبها بالجَلَح ودُررها بالقَلَح، ووردُها بالبُهار ومِسكها بالبُخار، وبدرُها بالـمُحاق وقمرها بالانشقاق، وشعاعُها بالظلام وقوّتها بالشيب التام. فهي كجيفة متعفـنة، نَتِنةٍ مُنتـنة، تؤذي شامّة الناس، وتستأصل سرور الأعين، يتباكَون أهـلُها لافتضاحهم، ويتمنى النظيفون أن يدسّوها في تراب، أو يذبّون عن أنفسهم إلى أسفل السافلين.
فالحمد لله ثم الحمد لله أنه أنالني حظًا وافرًا من أنواره، وأزال إملاقي من دُرره، وأشبع بطني من أثماره، ومنح بي من النعم الظاهرة والباطنة، وجعلني من المجذوبين. وكنت شابًا وقد شختُ، وما استفتحت بابًا إلا فتحت، وما سألت من نعمة إلا أعطيت، وما استكشفت من أمرٍ إلا كشفت، وما ابتهلت في دعاءٍ إلا أجيبت، وكل ذلك من حبي بالقرآن، وحبّ سيدي وإمامي سيد المرسلين، اللهم صل وسلم عليه بعدد نجوم السماوات وذرات الأرضين." (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج5 ص545-547)
وبهذا بطلت الفرية الثالثة.
وأما فرية أنه لا قرآن إلا ما قدمه المسيح الموعود فهي كذبة لا تستحق الردّ، ومثلها كذبة: كل حديث خالف قول المسيح الموعود عليه السلام فهو مردود، ذلك أن المسيح الموعود لا يخالف الحديث الصحيح، لكن الحديث الذي يخالف القرآن فهو مردود، ولا يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد قاله.
وأما عبارة (لا نبي إلا تحت سيادة غلام أحمد) فهي من الكذب المحض. ولعنة الله على الكاذبين!
مكة والمدينة وقاديان:
فريته الرابعة أننا نفضل قاديان على مكة والمدينة.. وقبل ردّ هذا الكذب ننقل ما قاله المسيح الموعود عليه السلام بشأن مكة والمدينة والحج؛ فلقد كان حضرة المسيح الموعود عليه السلام يحنّ إلى زيارة ديار حبيبه وحبيبنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم حنينا وشوقا يصعب وصفهما؛ فقد ورد عنه عليه السلام أنه في إحدى المرات جرى الحديث في بيته عن الحج وزيارة روضة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففاضت عيناه بالدموع وقال بصوت ملؤه الألم والأسى والحسرة: أتمنى ذلك بكل قلبي ولكن أفكر فيما إذا كنت أستطيع أن أحتمل رؤية روضته صلى الله عليه وسلم!
ولقد قال أيضا في أحد كتبه مخاطبا العرب ما نصه:
"يا عباد الله. وإني أحِنّ إلى عِيان بلادِكم، وبركاتِ سوادكم، لأزور موطئ أقدام خير الورى، وأجعل كُحْلَ عيني تلك الثرى، ولأزور صلاحها وصلحاءها، ومعالمها وعلماءها، وتقرّ عيني برؤية أوليائها، ومشاهدها الكُبرى. فأسأل الله تعالى أن يرزقني رؤية ثراكم، ويسّرني بمرآكم، بعنايته العظمى.
يا إخوان.. إني أحبّكم، وأُحبّ بلادكم، وأحب رمل طرقكم وأحجار سكككم، وأوثركم على كل ما في الدنيا.
يا أكباد العرب.. قد خصّكم الله ببركاتٍ أثـيرةٍ، ومزايا كثيرةٍ، ومراحمه الكُبرى. فيكم بيت الله التي بورك بـها أُمّ القُرى، وفيكم روضة النبي المبارك الذي أشاع التوحيد في أقطار العالم وأظهر جلال الله وجلَّى." (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج 5)
أفتخرج هذه الكلمات من شخص يفضل أي بلد على مكة والمدينة؟
ونتحدى الشيخ أن يأتي بعبارة في سياقها، وأن يقرأها من كتب سيدنا أحمد لا مِن كتب مَن ينسب لسيدنا أحمد ما يشوه به الحقائق. فالمؤتمر السنوي ليس حجا ولا بديلا عن الحج، بل هو مؤتمر روحاني تجدر المشاركة فيه لمن استطاع. وزيارة الأماكن التي عاش فيها المسيح الموعود عليه السلام وصلى وأقام الليل فيها يدفع المؤمن إلى التأسّي به. وليس في هذا أي تفضيل لقاديان على مكة، فمكة هي أم القرى، وهي أقدس بقعة لكل مسلم، ثم مدينة رسول الله. ثم لا شك في قدسية قاديان التي بعث الله فيها المسيح الموعود خادم الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.. وكل مكان يكتسب قدسيته من الأنبياء والأولياء الذين سكنوه، وليس من حجره وشجره.
الجهاد:
هذه كذبة قد رددنا عليها مرارا وأشبعناها بحثا، وهي من الأكاذيب التي لم تعُد تنطلي على أحد. ولكن نقول للمفترين: نرجوكم أن تقرءوا العبارات في سياقها.. عودوا إلى كتبنا، ألا تتقون الله!

تكفير المسلمين:
ينقل الخصوم عبارة للخليفة الثاني ليقولوا من خلالها أننا نكفر المسلمين قاطبة، ولتوضيح الأمر فلا بد أو من التفريق بين مسألتين؛ مسألة إطلاق لفظ الكفر أو الإيمان على شخص، ومسألة استحقاقه العذاب. هذان أمران مختلفان ولا تلازم بينهما، أي قد نسمي شخصا كافرا، بينما هو يستحق دخول الجنة، وقد نطلق على شخص صفة الإسلام، وهو خالد في جهنم.
مثال على الحالة الأولى: شخص لم يسمع بالإسلام البتة، ولكنه يعبد الله كما وصله من عقائد، ويقوم بالعمل الصالح، فهو، في اصطلاحنا، كافر، ولكنه في الجنة. هو كافر لأنه لم يعتنق الإسلام، وفي الجنة لأنه قام بما يجب عليه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ومثال على الحالة الثانية: شخص أعلن الإسلام وباطنه غير ظاهره، فنحكم بإسلامه، أي هو مسلم، لكنه خالد في جهنم.
وهذه المسألة لا خلاف يُذكر فيها بين المسلمين، فمَن يُسمّي اليهود والنصارى مسلمين؟ إنهم كفار بالرسالة الإسلامية، ولكن هل كلّ يهودي وكل نصراني في النار؟ الجواب أن ذلك يعتمد على سبب عدم إيمانه بالإسلام. والله وحده مَن يعلم السبب الحقيقي، وفيما إذا كان معذورا فيه. أي أننا لا نستطيع الإجابة على هذا السؤال البتة. أما وصف مسلم أو كافر فهذا يمكننا أن نطلقه بحسب الظاهر.
القضية الأخرى الهامة هنا هي أن الإيمان بالمسيح الموعود ليس قضية ثانوية، بل هذا الإيمان واجب كما يجب الإيمان بأي نبي سابق، والكفر به كالكفر بأي نبي سابق.
لذا يمكن أن نطلق لفظ كافر على من لا يؤمن بالمسيح الموعود عليه السلام من هذا الباب، ولكن هذا لا علاقة له بالحكم عليه بدخول الجنة أو النار. ولا علاقة له بأنه معذور في عدم الإيمان أو غير معذور، لأن هذا يعلمه الله وحده.
هذه الجملة التي قالها الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام لا بدّ من فهمها في ضوء هذه التوطئة، وفي ضوء سياقها.. حيث يقول الخليفة الثاني رضي الله عنه شارحا إياها تحت عنوان (عقيدتي بشأن كفر غير الأحمديين):
عقيدتي أن الكفر هو نتيجة إنكار الله تعالى. عندما ينـزل من الله تعالى وحي يكون الإيمان به ضروريا للناس، وإنكاره كفر. وبما أن الإنسان لا يؤمن بالوحي إلا إذا آمن بمن نزل عليه الوحي لذا لا بد من الإيمان بصاحب الوحي، ومَن لا يؤمن به فهو كافر. ليس بسبب أنه لا يؤمن بزيد أو بعمرو، بل لأن إنكاره للوحي وصاحب الوحي يؤدي إلى إنكار كلام الله. وعندي أن سبب الكفر بالأنبياء كلهم يعود إلى هذا المبدأ وليس بسبب إنكار شخصهم. وبما أن الوحي الذي يجب الإيمان به لا ينـزل إلا على الأنبياء، لذا فإن إنكار الأنبياء فقط هو الذي يؤدي إلى الكفر، أما إنكار غير الأنبياء فلا يؤدي إلى أي كفر. وبما أن الوحي الذي قد فُرض على الناس جميعا الإيمان به قد نزل على المسيح الموعود عليه السلام، لذا أرى أن الذين لا يؤمنون به كافرون بحسب القرآن الكريم، ولو آمنوا بوحي آخر؛ لأنه إذا وُجد وجه واحد من أوجه الكفر في شخص لأصبح كافرا. والكفر عندي هو إنكار مبدأ من المبادئ التي يُعتبر رافضها متمردًا وعاصيًا لله، أو تموت الروحانية فيه بسبب إنكاره إياها. ولكن هذا لا يعني أن شخصا مثله يُعذَّب بعذاب غير مجذوذ إلى الأبد. وبما أن أوامر الإسلام تحكم على الظاهر لذا فالذين لا يؤمنون بنبي وإن كان سبب عدم إيمانهم أنهم لم يسمعوا به سوف يُعتبرون كافرين، وإن كانوا غير مستحقين للعذاب عند الله لأن عدم إيمانهم لم يكن ناتجا عن خطأ منهم.
والمعلوم أن المسلمين كلهم على مر العصور ظلوا يعتبرون الذين لم يدخلوا الإسلام كافرين، وإن لم يسمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم. لم يحدث إلى اليوم أن أحدا أصدر فتوى بكونهم مسلمين. كما لم يفتوا بإسلام آلاف مؤلفة من المسيحيين من ساكني الجبال في أوروبا ممّن لم يسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يطلع على تعليمه صلى الله عليه وسلم. (مرآة الصدق، ص113)

من المقصود في قوله تعالى (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)؟
باختصار، هذه نبوءة عن بعثة نبي بعد المسيح الناصري عليه السلام، والمقصود بأحمد فيها هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لأن هذا هو اسم من أسمائه الصفاتية.. أي صفة من صفاته. كما أنه يمكن تفسير المقصود بأحمد أنه سيدنا المسيح الموعود لأن هذا هو اسمه الذاتي.. ثم إنه ظلّ لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول المسيح الموعود عليه السلام في هذه الآية: "لقد سُمِّي النبي صلى الله عليه وسلم باسم آخر وهو أحمد، كما تنبأ به المسيح الناصري عليه السلام قائلا: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد). وفي ذلك إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم يكون أكثر الناس حمدا لله تعالى. الحق أن الإنسان يمدح شخصا إذا نال منه شيئا، وكلما زاد نواله منه زاد في حمده. فمثلا إذا أعطيتَ أحدا قرشا فسيمدحك بِقَدَرِه، وإذا أعطيته ألف دينار فسيمدحك بقدرها. فيتبين من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس نوالا لأفضال الله تعالى. فالحق أن في هذا الاسم نبأً أن صاحب هذا الاسم سوف ينال أفضال الله تعالى كثيرا جدًّا جدًّا (جريدة الحكم، مجلد 5، عدد 17-1-1901، ص4)
ويقول عليه السلام في موضع آخر: من المؤسف جدا أن الله تعالى يبرهن على موت المسيح الناصري عليه السلام، ولكن هؤلاء الناس يعتبرونه حيا إلى الآن وبذلك يثيرون فتنا كثيرة في الإسلام؛ إذ يعتبرون المسيح حيًّا وقيّومًا للسماء ويعتبرون النبي صلى الله عليه وسلم ميتا ومدفونا في الأرض، مع أنه قد وردت شهادة المسيح نفسه في القرآن الكريم: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد). إذن، فإذا كان المسيح عليه الصلاة والسلام لم يُتوفَّ بعد، فكيف يمكن أن يُبعث نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا؟ النص صريح في أن المسيح عليه الصلاة والسلام عندما يموت وينتهي من هذا العالم المادي سيُبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذه الدنيا، لأن الآية تُبيّن أن الإتيان مشروط بالذهاب (إتيان الرسول مشروط بذهاب المسيح وموته). (مرآة كمالات الإسلام، ص42)
ويقول عليه السلام في مكان آخر: وفي هذه الآية (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) إشارة إلى أنه في آخر الزمان سوف يُبعث ظلٌّ للنبي صلى الله عليه وسلم، ويكون بمثابة يده اليمنى، وسوف يُسمّى في السماء بأحمد، وسوف ينشر الإسلام بصورة جمالية كما نشر المسيح الناصري عليه السلام الدينَ بصورة جمالية. (ضميمة التحفة الغولَرْوِيّة، ص21)
أما الخليفة الثاني رضي الله عنه فيقول تحت عنوان: عقيدتي عن نبوءة اسمه احمد:
إن عقيدتي حول هذه النبوءة أنها نبوءة ذات شقين، نبوءة عن الظل ونبوءة عن الأصل، أما النبوءة المتعلقة بالظل فهي عن المسيح الموعود عليه السلام والنبوءة الأصلية هي عن النبي صلى الله عليه وسلم، غير أن هذه النبوءة تخبر عن الظلّ بصراحة، والخبر عن الظلّ يستلزم النبوءة عن الأصل حتمًا. لأن وجود النبي الظلّي يقتضي وجود النبي الأصلي، لذا يُستمد من هذه الآية خبرٌ عن نبيٍّ يستفيض بفيوض النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو الأصل. وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس نبيًّا ظليًّا، بل هو الأصل، فلم يأخذ الفيض من غيره، بل الآخرون هم من يأخذون منه الفيض؛ والقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الفيوض من الآخرين يُعتبر إهانةً له، وبناء على ذلك وعلى أدلة أخرى فإنني أعتقد أن المصداق الأول لهذه النبوءة هو المسيح الموعود عليه السلام الذي هو ظل للنبي صلى الله عليه وسلم ومثيل للمسيح الناصري عليه السلام.
بيد أني أرى أن هذه نبوءة لم يحدد أي نبي معناها من خلال الإلهام، فاعتقادي عن هذه النبوءة لا يزيد عن كونه بحثا اجتهاديا، فلو فسر أحد هذه النبوءة بغير هذا المعنى فيمكن أن نقول له بأنه مخطئ، ولن نقول أنه خارج عن الأحمدية أو أنه مذنب. إذًا، هذه ليست قضية نعطيها أهمية بالغة من ناحية دينيّة. (آئينه صداقت (مرآة الصدق)، مجلد 6 من أنوار العلوم ص111)
أما العبارة المشار إليها للخليفة الثاني في كتابه (أنوار الخلافة) فقد وردت ضمن موضوع طويل يثبت فيه حضرته أن (أحمد) ليس اسمًا ذاتيًّا لحضرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو اسم صفاتي له، أما المسيح الموعود فإن (أحمد) هو اسمه الذاتي. وفي كتابه (مرآة الصدق) الذي نقلنا منه آنفًا، يبين اعتقاده حول تفسير هذه النبوءة.

في النهاية:
نتمنى على المشايخ أن يُظهروا للعالم شيئا من الأخلاق الإسلامية، وأن يتركوا الشتائم أولا، فلقد كرر كلمة الكذاب: 26 مرة. والدعي: 18 مرة والمخبول مرة والدجال 5 مرات. ولتجنبوا الكذب كل التجنب، فهو أسّ الشرور. وليحسنوا الظن، وليقولوا قولا سديدا.





 

خطب الجمعة الأخيرة