loader
 

السؤال: السلام عليكم،من خلال قرائتي لكتبكم تكرر الحديث عن ورود حديث نزول ابن مريم الوارد في صحيح مسلم الذي في نصه"ويضع الحرب"فرجعت الى صحيح مسلم فوجدت الأحاديث تقول"ويضع الجزية".أريد منكم المرجع بدقة و توضيح التضعيف لهذه الأحاديث المتكررة و شكراً

في فتح الباري لابن حجر شرح لحديث أبي هريرة: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ...
حيث أخذ ابن حجر-كعادته-بشرح الحديث جملة جملة. ولما وصل إلى عبارة (ويضع الجزية)، وضع بدلا منها (وَيَضَع الْحَرْب)، وقال مباشرة: فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " الْجِزْيَة ". أي أن النص في بقية روايات كتاب البخاري (وَيَضَع الْحَرْب) إلا في رواية واحدة.. لذا اختار ابن حجر النص (ويضع الحرب)، ثم ذكَّر بنص (ويضع الجزية).
وعندي نسخة من صحيح البخاري مكتوب فيها (ويضع الحرب) وليس (ويضع الجزية)، ويمكن أن أبعثها لك بالبريد، لأنها -كصورة-لا تظهر هنا في الإجابة من ناحية فنية.
ثم إن هنالك روايات تذكر عبارة (وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)، كما في سنن ابن ماجة، ومسند أحمد، ومعجم الطبراني وغيرها.
ثم إنه لا فرق بين تعبير (ويضع الجزية) وبين تعبير (ويضع الحرب)، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذكَر النّصين معا. أو ذكَر واحدا منها كل مرة. فوضعُ الجزية يعني إلغاءها، لأنه لا مبرر لها في عصر المسيح الموعود، حيث تنتهي الحروب الدينية. فالجزية مرتبطة بالحرب الدينية، وكلاهما ينتهيان. وقد انتهيا فعلا، فالحروب الحالية اقتصادية سياسية استعمارية تسلطية.
وبالتالي سواء كان الحديث (تضع الحرب) أم (تضع الحرب أوزارها) أم (يضع الجزية) أم (توضع الجزية)، فكله صحيح، وكله يحمل المعنى نفسه.
وهناك احتمال أن يكون قد حصل خطأ من النساخ، فالكتابة قديما لم تكن تهتم بالتنقيط كثيرا، كما كان الحبر يسيل راسما نقاطا من غير قصد، فيُحتمل أن يكون النساخ قد كتبوا كلمة (الجزية) بدل كلمة (الحرب).. والظاهر أن حرف حاء تحول إلى جيم، فالفرق نقطة قد سالت من القلم فقط. والراء تحولت زايا، لأن الفرق نقطة قد سالت من القلم، والباء تحولت ياء بزيادة نقطة سائلة، والتاء المربوطة لا تزيد عن ذيل قصير يوصل بالياء.. وهكذا تحولت كلمة (الحرب) إلى كلمة (الجزية).. والله أعلم.


صحيح البخاري ليس كالقرآن الكريم في ثبوت ألفاظه ودقتها وصحة نسخها عن البخاري نفسه. ولصحيح البخاري العديد من الروايات الرئيسة كمثل رواية الفربري؛ الذي روى عنه عدة رواة فرعيين أيضا منهم الكشميهني والبزار وغيرهم، ورواية القاضي أبي إسحاق النسفي، ورواية الإمام أبي محمد النسفي، وأبي طلحة البزدي أو البزدوي، والقاضي المحاملي.
وعند طباعة نسخ صحيح البخاري من المخطوطات ومن النسخ المطبوعة الأقدم، تعرضت هذه النسخ للتحقيق، كما أن النسخ التي بين أيدينا حاليا أخذت عن أوائل النسخ التي طبعت. وعملية التحقيق عرضة للأخطاء، كما أن المحقق قد يفضل رواية شاذة لظنه أنها هي الأدق، بسبب أنها تلائم ما يظنه هو صحيحا أو ما يراه متوافقا مع اعتقاده.
وهناك اختلافات بيِّنة في الروايات في العديد من الأحاديث في بعض الكلمات معروفة لأهل العلم وذكرها الشراح، ومنها الكلمة موضوع السؤال التي ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري أنها قد وردت في رواية الكشميهني.
وما جاء في فتح الباري هو دليل قوي بأن الروايات الأكثر اشتهارا وانتشارا إنما قد جاءت (يضع الحرب)، ونرى أن ابن حجر العسقلاني لم يعلق مطلقا على (يضع الحرب)، مع إقراره بها بل واعتبارها الأوثق، بل تجاهلها وأخذ يشرح في (يضع الجزية) لأنه على ما يبدو لم يجد ما يقوله حيالها. فلنتأمل ما جاء في فتح الباري:

"(يضع الحرب) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " الْجِزْيَة " , وَالْمَعْنَى أَنَّ الدِّين يَصِير وَاحِدًا فَلَا يَبْقَى أَحَد مِنْ أَهْل الذِّمَّة يُؤَدِّي الْجِزْيَة , وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَال يَكْثُر حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ يُمْكِن صَرْف مَال الْجِزْيَة لَهُ فَتُتْرَك الْجِزْيَة اِسْتِغْنَاء عَنْهَا . وَقَالَ عِيَاض : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِوَضْعِ الْجِزْيَة تَقْرِيرهَا عَلَى الْكُفَّار مِنْ غَيْر مُحَابَاة , وَيَكُون كَثْرَة الْمَال بِسَبَبِ ذَلِكَ . وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ وَقَالَ : الصَّوَاب أَنَّ عِيسَى لَا يَقْبَل إِلَّا الْإِسْلَام . قُلْت : وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ عِنْد أَحْمَد مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " وَتَكُون الدَّعْوَى وَاحِدَة " قَالَ النَّوَوِيّ : وَمَعْنَى وَضْع عِيسَى الْجِزْيَة مَعَ أَنَّهَا مَشْرُوعَة فِي هَذِهِ الشَّرِيعَة أَنَّ مَشْرُوعِيَّتهَا مُقَيَّدَة بِنُزُولِ عِيسَى لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْخَبَر , وَلَيْسَ عِيسَى بِنَاسِخِ لِحُكْمِ الْجِزْيَة بَلْ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّن لِلنَّسْخِ بِقَوْلِهِ هَذَا , قَالَ اِبْن بَطَّال : وَإِنَّمَا قَبِلْنَاهَا قَبْل نُزُول عِيسَى لِلْحَاجَةِ إِلَى الْمَال بِخِلَافِ زَمَن عِيسَى فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاج فِيهِ إِلَى الْمَال فَإِنَّ الْمَال فِي زَمَنه يَكْثُر حَتَّى لَا يَقْبَلهُ أَحَد , وَيُحْتَمَل أَنْ يُقَال إِنَّ مَشْرُوعِيَّة قَبُولهَا مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى لِمَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ شُبْهَة الْكِتَاب وَتَعَلُّقهمْ بِشَرْعِ قَدِيم بِزَعْمِهِمْ , فَإِذَا نَزَلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام زَالَتْ الشُّبْهَة بِحُصُولِ مُعَايَنَته فَيَصِيرُونَ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَان فِي اِنْقِطَاع حُجَّتهمْ وَانْكِشَاف أَمْرهمْ , فَنَاسَبَ أَنْ يُعَامَلُوا مُعَامَلَتهمْ فِي عَدَم قَبُول الْجِزْيَة مِنْهُمْ . هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْض مَشَايِخنَا اِحْتِمَالًا وَاَللَّه أَعْلَم ."

كذلك نرى أن كل ما جمعه من الروايات التي تشرح الحديث كانت مقتصرة على (يضع الجزية)، ولم يذكر رواية واحدة تشرح (يضع الحرب)، وهذا مما يتلاءم مع عقيدة المهدي السفاح والمسيح المنتقم الذي لن يتسامح مع أحد ولن يقبل من الناس إلا دينا واحدا، وهي العقيدة التي انتشرت تقليديا.
وقد ذكَّر الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في مواضع عديدة من كتبه ‏بهذا الحديث، وعبَّر عن استغرابه أن يلجأ المعارضون إلى عقيدة المهدي السفاك التي جاءت في ضعاف الأحاديث ويتركوا هذا الحديث في صحيح البخاري الذي يؤكد أن المهدي والمسيح لن يكون محاربا، بل ستتوقف الحروب الدينية في زمنه. وقد كان في زمرة معارضيه العديد من كبار المشايخ وعلماء الحديث في الهند، ولم يعترضوا قائلين إن الحديث إنما هو (يضع الجزية) لا (يضع الحرب)، لعلمهم على ما يبدو بصحة هذه الرواية بل وكونها أولى من (يضع الجزية).
تميم أبو دقة


 

خطب الجمعة الأخيرة