الواقع أن سوء الفهم من جانب بعض المسلمين ومحاولة تبريرهم أو تأويلهم بطريقة خاطئة، وأحياناً سوء النيات والتعصب من قبل خصوم الإسلام وأعدائه، قد جعل هذه الشبهة من أبرز ما يُرفع في وجه الإسلام، ومما يبدو أنه لا يمكن الدفاع عنه.
والواقع أن المسألة بسيطة تماماً؛ فلم يُذكر الضرب إلا ضمن ضوابط مشدّدة وفي سياق محدد، ولنوعٍ معيّن فقط من النساء؛ أي النساء اللاتي بدأت تظهر منهن بوادر الفساد الأخلاقي، ولم يكن ذلك إلا رحمة بهن ولإعطائهن فرصة نهائية للإصلاح، بعد استنفاد كل الوسائل الأخرى، وبعد أن استشرى فيهن الفساد وبلغ منهن مبلغاً عظيماً، وهذا فقط في حال الظن أن هذا الإجراء سيؤدي إلى الإصلاح كإجراء أخير، وإلا فالواجب على الرجل أن يطلِّق المرأة المصرَّة على الفاحشة التي لا يرُجى صلاحها، لأن ارتباطه بها سيجعله ديوثًا وسيؤدي إلى فساد الأسرة بمجملها واستساغتها للفاحشة والفساد الأخلاقي.
وحول هذه القضية، يقول الخليفة الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
"وكذلك من حق الزوجة ألا يعاقبها زوجها إلا على ارتكابها فاحشة سافرة. وإذا صارت العقوبة ضرورية فلا بد أن يشهد على جريمتها أربعة رجال من الحي، وأن يشهدوا صراحة أنها فعلاً قد ارتكبت جريمة كذا وكذا. ففي هذه الحالة يمكن له أن يعاقبها. ولكن العقوبة أيضاً يجب أن تكون تدريجية كما قال الله تعالى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء 35-36) أي يجب أن تعظوا وتنصحوا المرأة أولاً، وإن لم تنفعها النصيحة فانفصلوا عنها في المضجع، وإنْ لَمْ يؤثِّر ذلك أيضاً فيها فيمكن أن تعاقبوها عقوبة جسدية بعد شهادة الشهداء، ولكن بشرط ألا تقع الضربة على العظم وألا تترك علامة على جسدها." (من كتاب: الأحمدية الإسلام الحقيقي)
فالخوف من النشوز إنما يعني بداية ظهور بوادر النشوز من المرأة؛ كأن ترتبط بعلاقات مع رجال أجانب أو تحادثهم بأحاديث بعيدة عن الحشمة والحياء والأدب، قبل الوقوع في فاحشة الزنا أو التلامس الجسدي فعلياً، أو تكون على علاقة شاذة مع بعض النساء بصورة أو بأخرى. وهذا متعلق بفئة معينة محدودة من النساء كما ذكرنا سابقاً، حيث تتيح الشريعة المجال لهذه الفئة أن تنصلح وتثوب إلى رشدها، ولا تأمر بتطليقها مباشرة. وتتدرج الشريعة من الوعظ إلى الهجر في المضاجع، الذي يعني نوعاً من تقييد الحرية للنساء في بيوتهن، الذي أشارت إليه الشريعة في آية أخرى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } (النساء 16) ثم تقرُّ الشريعة بوجوب الإيذاء بقصد الإصلاح الذي يشمل العقوبة الجسدية للنساء –إذا كان مجديا وإذا لم تنفع الوسائل السابقة- كما تقرّها للرجال أيضاً الذين يرتكبون الشذوذ كما للنساء على السواء: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} (النساء 17). وفي الواقع، فإن الشريعة إذ أتاحت إمكانية إيقاع العقوبة الجسدية على المرأة بقصد الإصلاح، فهذا يكشف عن مدى رحمة هذه الشريعة ومراعاتها للمرأة، إذ تطلب أن تُبذل كل محاولة ممكنة للإصلاح حتى لو وصلت إلى القسوة. بينما كان من الممكن أن تفرض الشريعة على الرجل أن يُطلّق المرأة بظهور بوادر النشوز منها فوراً، ولكن هذا كان سيؤدي إلى قذفها إلى هوِّة الفاحشة السحيقة إلى غير رجعة، وكان سيؤدي إلى إغلاق كل أبواب الإصلاح.
إذن ، فالكلام حول نوع ناشز جداً من النساء وصلت الحال بينها وبين الرجل بسبب الفاحشة والشذوذ إلى طريق مسدود، عندها إذا كان الإصلاح مرجواً لرحمتها وحمايتها من نفسها ومن الطلاق وتركها في هوة الفاحشة فيمكن هجرها أو ضربها ولكن بشرط عدم ترك أي أثرٍ كان على الجسد وإلا فالتطليق أولى لهذا النوع الغريب والنادر من النساء. وكما نرى فإن القضية ليست هي قهراً وقسوة في معاملة المرأة ولا هي إجحاف في حقها مقابل الرجل؛ بل سوّى الله بينها وبين الرجل في هذه القضية بأمره معاقبة الرجال الذين يصدر منهم أمثال هذه التصرفات بقوله (فآذوهما) كما تقدم.
لذلك، يجب أن نتذكر أخيراً، أن الضرب الذي أباحه الإسلام هو لفئة من النساء الناشزات اللاتي قد بدأت تنزلق أقدامهن في الفساد، ولم ينفعهن الوعظ ولا تقييد الحرية، وكان مرجوًّا أن يؤثر فيهن الضرب تأثيراً رادعاً يبعدهن عن الفاحشة، وذلك كله رحمة بهن كي لا يقذفن إلى الفاحشة بطلاقهن على الفور لمجرد ظهور بوادر النشوز، إذ ليس مقصد الآية عامة النساء لأن عامة النساء وصفهن اللهُ تعالى بالنساء الصالحات المكرمات وفي نفس آية الهجر والضرب للناشزات الفاحشات فقال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}. فأيهما أفضل، أن تعاقَب المرأة بقصد الإصلاح، أم لا تعاقب وتقذف إلى الفساد؟ الواقع أن عدم اتخاذ التدبير الضروري في وقته إنما هو ظلم شديد للمرأة، تنزهت عنه شريعة الإسلام، ووقعت فيه الشرائع الأخرى.