loader
 

السؤال: يقول مؤسس الجماعة الأحمدية في كتابه البشرى ،المجلد الثاني، الصفحة ٩٧ "قال لي الله إني اصلي و أصوم و اصحو و انام... بينما في أية الكرسي يقول الله "لا اله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة و لا نوم" فالله قال في القرآن انه لا ينام، فما الرد على هذا؟

 

 

هذا الزعم والنص المنقول كذب وافتراء على المسيح الموعود عليه السلام، إِذْ لطالما رددنا على هذه الشبهة التي افتراها الخصوم على جماعتنا المباركة، كما أن كتاب ’’البشرى’’ المحال إليه نص الشبهة موهوم مفترى لا وجود له، أما الذي يوجد فهو كتاب "حمامة البشرى" وليس فيه هذا النص المكذوب، ويمكنك الاطلاع على الكتاب بسهولة من مكتبة الموقع لتتيقن من الحقيقة بنفسك فتدرك أن الخصوم أبعد عن تقوى الله تعالى والتزام الصدق الذي أمر به الله في كتابه القرآن ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

 

 لقد بيَّنَ المسيح الموعود عليه السلام بجلاء عقيدتنا في الله تعالى شعرا ونثرا.. وأثبت لله تعالى كماله المطلق وتنزّهه عن النقائص والعيوب ،اذ نعتقد بأن الله -عز وجل- حق، ووجوده حق، وأن الإيمان به اعتراف وإقرار بكبرى الحقائق جميعا، وليس مجرد اتباع للأوهام والظنون. ونؤمن بأنه -عز وجل- واحد لا شريك له في الأرض ولا في السماء، وكل ما عداه مخلوق ليس إلا. وهو لم يلد ولم يولد، وليس له أم أو زوجة أو أخ أو أخت، هو الأحد المنفرد في توحيده وتفريده. يقول عليه السلام:

 

"إنَّ إلٰهنا هو ذلك الإلٰه الذي هو حيٌّ الآن كما كان حيًّا من قبل، ويتكلم الآن كما كان يتكلم من قبل، ويسمع الآن كما كان يسمع من قبل. إنه لظَنٌّ باطل بأنه -سبحانه وتعالى- يسمع الآن ولكنه لم يعد يتكلم. كلا، بل إنه يسمع ويتكلم أيضًا. إن صفاته كلها أزلية أبدية، لم تتعطل منها أية صفة قط، ولن تتعطل أبدًا. إنه ذلك الأحد الذي لا شريكَ له، ولا ولدَ له، ولا صاحبةَ له. وإنه ذلك الفريد الذي لا كفوَ له ... إنه قريب مع بُعده، وبعيد مع قربه، وإنه يمكن أن يُظهر نفسه لأهل الكشف على سبيل التمثُّل، إلا أنه لا جسمَ له ولا شكلَ .... وإنه على العرش، ولكن لا يمكن القول إنه ليس على الأرض. هو مجمع الصفات الكاملة كلها، ومظهر المحامد الحقة كلها، ومنبع المحاسن كلها، وجامع للقوى كلها، ومبدأ للفيوض كلها، ومرجع للأشياء كلها، ومالك لكل مُلكٍ، ومتصفٌ بكل كمالٍ، ومنزه عن كل عيب وضعف، ومخصوص بأن يعبده وحده أهلُ الأرض والسماء." (الوصية، الخزائن الروحانية، ج 20، ص 309 - 310)

 

وفي بيت شعر بالعربية يقول حضرته:

 

تعالت شؤون الله عن مبلغ النُّهى

فكيف يُصّور كُنهه متفكّرُ

وقوله عَلَيهِ السَلام:

وليسَ تُقاس صفاته بصفاتنا

ولا يُركُه بصرٌ ولا من يُبصرُ

 

فالله تعالى عند المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام منـزّهٌ عن النسيان والتردد والخطأ، أما ورود كلمات وعبارات على سبيل الاستعارة فهو أمر معروف في اللغة ولا يمكن الاعتراض عليه. ومثال ذلك الحديث القدسي:

 

"قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ. يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي. يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي." (صحيح مسلم)

 

وهكذا يثير بعض قليلي التدبر من اليهود والنصارى الشبهات على الإسلام بسبب هذه العبارات الاستعارية الواردة في الحديث وذلك بسبب جهلهم وعدم امتلاكهم العلمية والنزاهة عند تناول وطرح مثل هذه الأمور، ولذلك ورَدَ في القُرآن الكَرِيم قول اليهود بأن الله تعالى والعياذ بالله فقيرٌ بينما اليهود أغنياء: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}، وهذا القول السقيم هو بسبب فهمهم لقوله تعالى {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ}. فما دام الله يستقرض فهو فقير حسب فهمهم! 

 

وهذا مجرد مثال فقط على الاعتراضات التي ترد على الدين بسبب عدم فهم كلمات الاستعارة والمجاز.

 

كذلك العبارة التي تعني بأن الله تعالى يصلّي فقََدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}، فهل نقول: إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ينسب إلى الله الصلاة في القرآن الكريم؟ أم نقول: إن الصلاة من الله تعني الرحمة ومن الملائكة تعني الاستغفار، رغم أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يَرِد عنه هذا التوضيح، ولكننا إِذْ نؤمن بصدقه ﷺ نعود إلى المُحكم من القرآن الذي جاء به لنفهم في ضوئه المتشابَه، فرجعنا فقلنا بهذا التفسير. إذن لماذا يتم الاعتراض على موضوع الصَلاة عند الله تعالى وهو ثابت في الكتاب والسنة ومعناه معروف لا ينكره أحد وهو التفضل على العبد بالرحمة والمغفرة والبركات؟ 

 

أما بالنسبة إلى صوم الله الذي ورد في إلهام: "إني مع الرسول أقوم، وألوم مَن يلوم، أُفطِر وأصوم." (مواهب الرحمن 3/ 20)، وفي إلهام: "إني مع الرسول أقوم، وأفطر وأصوم، وألوم من يلوم، وأعطيك ما يدوم، وأجعل لك أنوار القدوم." (التذكرة 1/ 440)، فهو استعارة ومجاز أراد اللهُ سبحانه وتعالى منه أن يؤكد للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام على أنه معه ويقوم بأمره ضد أعدائه وينصره على من يخالفه، ويلوم ويعاقب من يلومه. ثم قال: "أفطر وأصوم"، وقد شرح سيدنا المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بنفسه هذا الإلهام كما يلي: 

 

"ومن البديهي أن الله سبحانه وتعالى مُنـزّهٌ عن الصوم والإفطار، وهذه الكلمات لم تُنسب إليه حرفيا على ظاهرها، بل استُعمِلت على سبيل الاستعارة، ومقصدها أن الله هو القهّار والجبّار، وأنه أحيانا يُنزل قهره على الناس، وأحياناً يمهلهم إمهالاً (للتوبة) ... ومثل هذه الكلمات وردت في الحديث القدسي أيضا." (حقيقة الوحي، ص 104)

 

والحديث القدسي الذي أشار إليه سيدنا المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هو الذي أوردنا أعلاه. ففي هذا الحديث القدسي ذكر اللهُ سبحانه ثلاث كلمات هي: "مرضتُ"، "استطعمتُك"، "استسقيتُك". ولكن من الواضح أن استعمال هذه الكلمات قد جاء على سبيل الاستعارة، فتعالى الله عن أن يصيبه مرض أو جوع أو عطش. وكذلك في الوحي الذي نحن بصدده.. إن الله لا يفطر ولا يصوم بالمعنى الحرفي، فهو استعارة أيضا. كذلك لم ترد في هذا الإلهام ولا في غيره عبارة أو كلمة "أنام" أو "ينام" حاشا لله تعالى، ولو ورَدَتْ لكانت بالمجاز حتماً، ولكنها لم ترد بل هي من إضافات الخصوم كالعادة.

 

ومن أمثلة ورود نفس أسلوب استعمال الاستعارة في القرآن الكريم نسبة الله تعالى لنفسه النسيان حيث قال ﷻ: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَذَا}. ولا شك أن كلمة {نَنْسَاهُمْ} في هذه الآية لا تؤخذ بحرفيتها وإنما هي استعارة تفيد أن الله تعالى سيتجاهلهم كما تجاهلوا هم لقاء ذلك اليوم. فالله تعالى منـزّهٌ عن النسيان والتردد والخطأ، ولكنها كلها كلمات ذُكرت على سبيل الاستعارة ولا اعتراض عليها. وفي الحديث الشريف قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "وَلَوْ أَنَّ لَكَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ." (مسند أحمد وسنن أبي داود عن ابن الديلمي)، حيث ورد الخطأ لا بمعنى أن قَدَرَ الله تعالى يخطئ بل بمعنى التجاوز عن العبد فقط.

 

وهكذا يتبين عدم نزاهة خصوم الجماعة وعدم اطّلاعهم على أساسيات اللغة والدين. والله تعالى المستعان.

 

 ملاحظة/ تم حذف اسم السائل، وتعديل السؤال مع الإبقاء على فحواه،  لعدم مطابقته لشروط النشر في الموقع، بما في ذلك وجوب توخي الأدب والاحترام عند ذكر مؤسس الجماعة الاسلامية الأحمدية المسيح الموعود عليه السلام وخلفائه الراشدين . 


 

خطب الجمعة الأخيرة