الواجب على طالب الحق أن ينظر في الأدلة، لا أن يختار الدليل حسب ذوقه ووجهة نظره. فمن قال إنه يجب ذكر المهدي ذكرا صريحا في القرآن الكريم كي نؤمن به؟! وهل من سنة الله تعالى التصريح في الأنباء المستقبلية أم طبيعتها أن أدلتها تحتاج إلى تفكر وتدبر لكي يثاب المؤمن على إيمانه ويتعثر بها الكافر؟!
علينا أن نتذكر أن هذا المنهج هو الذي أردى اليهود والنصارى وجعلهم ينكرون البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يجدوا الذكر الصريح للنبي صلى الله عليه وسلم حسب ذوقهم وهواهم، مع أن البشارات لا تزال موجودة في كتبهم إلى اليوم.
ثم، يجب أن ندرك قبل كل شيء أن مصدر تعاليم الإسلام هو الكتاب والسنَّة، والسنَّة هي ما صح نسبته إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من قول وعمل. يتفق جميع المسلمين على أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم هو الأعلم والأدرى بمقاصد ومعاني آيات القُرآن الكَرِيم، وهذا في الحقيقة بيان رباني صريح ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كما قال تعالى ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾. فإذا أدركنا ذلك ووعيناه قبل أي شيء لأصبح من اليقين عندنا أن أحاديث نزول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام المتواترة في أصح ما ورد في السُنَّة التي هي المصدر الرئيسي للإسلام مع القُرآن الكَرِيم هي أحاديث ثابتة وقاطعة. وطالما أن نزول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام متواتر وثابت في الإسلام، فلم يبق إلا أن ندرك أيضاً بأن المسيح ((الموعود)) لهذه الأمة ليس هو مسيح إسرائيل عَلَيهِ السَلام لأنه كما ينص القُرآن الكَرِيم قد مات، وبنص القُرآن أيضاً لن يكون نبياً لهذه الأمة بل هو لبني إسرائيل فقط، وبنص القُرآن الكَرِيم لن يعود من مات، ولن يُكسر ختم نبوة سيدنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بمجيء نبي من خارج أمته بالإضافة إلى أدلة وأسباب أخرى يمكن تبسيطها في منشور منفصل.
الآن بقي أن نعرف من هو إذاً هذا المسيح الموعود لهذه الأمة! وهنا يجب العودة إلى خير من يفسر ويفهم القُرآن الكَرِيم، ألا وهو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. لقد بيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مفسراً آية في القُرآن الكَرِيم تتحدث عن بعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مرتين في زمن الصحابة وفي زمن آخر ليس من جيل الصحابة أي في الزمن الأخير، ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ سورة الجمعة الآية: 3-4، بيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأن معنى هذه الآية ليس بعثته ثانية بشخصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وإنما بعثة رجل من أمته وتحديداً من بلاد فارس يصحّ بموجبه أن يكون هو البعثة الثانية مجازاً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. الحديث كما يلي:
"حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}، قَالَ: قُلْتُ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا، وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ. وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ: «لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ»." (صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة الجمعة، رقم 4615)
وهكذا فالموعود لهذه الأمة الذي سيكون البعثة الثانية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الزمن الأخير سيكون من الفُرس! وبجمع أحاديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حول كون المسيح الموعود هو الإمام المهدي نفسه نصل إلى المطلوب، كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الحديث المشهور من سنَن ابن ماجه:
"عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللـه صَلَّى اللـه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا يَزْدَادُ الأَمْرُ إِلا شِدَّةً وَلا الدُّنْيَا إِلا إِدْبَارًا وَلا النَّاسُ إِلا شُحًّا وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ وَلا الْمَهْدِيُّ إِلا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ»." أهـ
فالمسيح الموعود لهذه الأمة هو المهدي نفسه!
ويسنده الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
"حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُوشِكُ مَنْ عَاشَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إِمَامًا مَهْدِيًّا، وَحَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا»." (مسند أحمد)
وما رواه ابن أبي شيبة رحمه الله في مصنفه:
"عَنْ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «الْمَهْدِيُّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ»." (مصنف ابن أبي شيبة، 192/8 و 513/7، رقم 37646)
وورد كذلك في كتاب الفتن لنعيم بن حمّاد:
"حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «الْمَهْدِيُّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ»." (الفتن لنعيم بن حماد، 376/1، رقم 1119)
وبالعودة إلى تفسير النبي ﷺ نفهم بوضوح أن المسيح الموعود لهذه الأمة الذي هو نفسه الإمام المهدي هو الذي سيكون من الفرس والذي سيكون البعثة الثانية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الزمن الأخير.
الآن لم يبق أمامنا كباحثين عن الحق إلا أن نبحث عن هذا الرجل الموعود، وبحثنا عنه لن يطول إذْ لم يتركنا النبي ﷺ بلا دليلٍ بل أعطانا مواصفات الموعود، ففوق أنه من الفرس وأنه هو حامل صفتي المسيح والمهدي لأنه مرسلٌ إلى تصحيح عقيدة النصارى من جهة وتصحيح عقائد المسلمين أنفسهم من جهة أخرى، فهو أيضاً سيأتي في وقت الضرورة حسب الآيات القُرآنية الكريمة في سورة التكوير والأحاديث الشريفة أي حين يتعرض الإسلام إلى حملات إبادة دجالية من طرف التنصير وسوف يكون له آيتان؛ (1)ينخسف القمر في أول ليالي الخسوف في شهر رمضان و(2)تنكسف الشمس في النصف منه، ويستعاض عن الخيل والجِمال بوسائط نقل حديثة مثل القطار والسيارة والطائرة، وتُشق الطرق في الجبال، وتُحشَر وحوش الأرض في حدائق خاصة، وتنتشر الصحف والمطابع وغير ذلك من آيات وعلامات زمن بعثة المسيح الموعود والإمام المهدي عَلَيهِ السَلام، وتعاد الخلافة على يديه على منهاج النبوة، ويُقتل الدجال التنصيري بالحجة على يديه، وهذه كلها تحققت في مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام.
يمكن شرح كل دليل من هذه الأدلة على حدة وبالتفصيل ولكن لا مجال لذلك كله في هذا الرد ويمكن العودة إلى المقالات والكتب الموجودة في موقعنا هنا التي تفصّل في هذا الموضوع.
وبهذا يتبين أن كل ما تستشهد به الجماعة الإسلامية الأحمدية ما هو إلا ثابت الكتاب والسنَّة.