● قصر الصَلاة في السفر
إنَّ أحكام الشريعة تراعي المحل والمناسبة بوجه خاص، وهناك كثير من المسائل التي لو لَمْ يُهتَمَّ بها بالمحل والمناسبة يصعب العمل بأحكام الشريعة. فمثلاً رفعت الشريعة الصومَ عن المريض والمسافر ولكنها لَمْ تذكر تفاصيل المرض وحدود السفر. كذلك أجازت قصر الصلاة في السفر وَلَمْ تحدِّد حدود السفر. وقد جرت البحوث في هذا المجال في ضوء آراء الفقهاء لتحديد حدود السفر. ولكن المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام حلّ هذه القضية بكل سهولة بالنظر إلى مبدأ:"العُرْف"، فقََدْ سألَ المسيحَ الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام شخصٌ بأنه يضطر إلى السفر هنا وهناك إلى 10 أو 15 ميلاً، فأيًّا من هذه الجولات يعدّه سفراً وبمَ يعمل لقصر الصلاة؟ فقال المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
"إنَّ مذهبي هو أنه يجب ألا يوقع الإنسان نفسه في الصعوبات، وليعمل بمسائل السفر الذي يُعدّ سفراً في العُرف وإنْ كان فرسخين أو ثلاثة فراسخ، إنما الأعمال بالنيات. في بعض الأحيان نتمشى مع الإخوة إلى ميلين أو ثلاثة أميال ولا يخطر ببال أحدٍ بأننا مسافرون. ولكن عندما ينطلق الإنسان بإرادة السفر حاملاً حقائبه يكون مسافرا. الشريعة ليست مبنية على العسر. فالذي ترونه سفراً بحسب الأعراف عدّوه سفرا." (الحكم، العدد: 17/1/1901م، صفحة 13)
● الفقه الحنفي والجماعة
لم يقل مؤسس الجماعة حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لم يقل بأن الجماعة تتبع فقه أبي حنيفة ؒ في كل شيء أو أنها على مذهب ابي حنيفة ؒ ولكن اجتهادات ابي حنيفة رحمه الله تعالى كانت مصيبة وكان له يد طولى في استخراج المسائل من القرآن الكريم، لذا كان يؤول بعض الأحاديث أو كان يتركها. ولهذا كان معارضو أبي حنيفة ؒ يعترضون عليه ثم اتهموه بأنه من "أهل الرأي". والحق أن فتاواه لم تكن تنافي القرآن والحديث، لذلك ذَكَرَ الْمَسِيحُ الموعودُ ؑ هذا الأمر وقال:
"كان الإمام المذكور (أبو حنيفة) أفضل وأعلى من الأئمة الثلاث الآخرين من حيث قوة اجتهاده وعلمه ودرايته وفهمه وفراسته، وإن القوة التي وهبها الله تعالى له للوصول إلى القرار الصائب كانت متقدمة، بحيث كان يستطيع أن يفرّق بين الثبوت وعدمه بكل سهولة. وكانت قوة إدراكه موهوبة بوجه خاص في فهم القرآن الكريم. وكان لطبعه انسجام خاص مع كلام الله تعالى، وكان قد بلغ من المعرفة مبلغاً أعلى؛ لذلك اعتُرِفَ بمرتبته العليا في الاجتهاد والاستنباط التي تقاصر عنها الآخرون." (إزالة الأوهام، الخزائن الروحانية، المجلد3، الصفحة: 385)
وقد كان للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مناسبة طبيعية وفطرية مع الإمام أبي حنيفة، وقد علّق عَلَيهِ السَلام أهمية كبيرة على الفقه الحنفي، ولكنه قال مع ذلك أنه ما دام الدهر قد تغير كثيراً لذا قد لا يفيد الفقه الحنفي أيضاً في مواضع كثيرة، ففي هذه الحالة يجب على العلماء الأحمديين أن يستفيدوا بما منّ الله عليهم من قوة الاجتهاد. فقال حضرته:
"من واجب جماعتنا أنه إذا لَمْ يكن الحديث معارضاً أو مخالفا للقرآن الكريم والسنَّة أن يعملوا به مهما كانت درجته ضعيفة، ويجب أن يفضِّلوه على فقهٍ صنعه البشر. وإنْ لَمْ يجدوا مسألةً ما في الحديث ولا في السنَّة ولا في القرآن فليعملوا بالفقه الحنفي، لأن كثرة هذه الفِرقة تَدُلُّ على مرضاة الله. وإنْ لَمْ يستطع الفقه الحنفي أن يفتي فتوى صحيحة بسبب بعض التغيرات الحالية، فعلى العلماء من هذه الجماعة أن يجتهدوا بما منّ اللهُ عليهم من قوة الاجتهاد. ولكن يجب أن يكونوا حذرين ولا ينكروا الأحاديث دون مبرّرٍ مثل الشيخ عبد الله الجكرالوي. أما إذا وجدوا حديثاً يعارض القرآن والسنة فليتركوه." (التعليق على المناظرة بين البطالوي والجكرالوي، الخزائن الروحانية، المجلد19، الصفحة: 212)
ففي ضوء تعليم المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام هناك مجلسُ علماءِ الجماعة الإسلامية الأحمدية باسم: "مجلس الإفتاء" للاجتهاد في المسائل المعاصرة. يرسلُ هذا المجلس حصيلة بحثهم وتحقيقهم إلى الخليفة، والقرار الذي يأخذه الخليفة يصبح جزءاً من فقه الجماعة الإسلامية الأحمدية، ويكون العمل به واجباً على الأحمديين كافة.
هذا كل ما في الأمر، أما ما جاء به المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فلا يمكن حصره من توضيح للملتبسات وإزالة المفاهيم الخاطئة حول الجهاد وحاكمية القُرآن الكَرِيم وكسر الصليب وقتل الدجال وأظلاله بالحجج الدامغات ونصر الدين وتأسيس جماعة المسلمين وكل ما أُنبيء عَنْهُ في الأحاديث المتواترة والقُرآن الكَرِيم.