الجواب عند النبي ﷺ حيث أجاب بنفسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم على هذا السؤال وذلك حين أتاه المغيرة بن شعبة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وسأله عن جوابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لشبهة حول الآية كما يلي:
"لما قدمتُ نجرانَ سألوني. فقالوا: إنكم تقرؤنَ: يَا أُخْتَ هَارُونَ. وموسى قبلَ عيسى بكذا وكذا. فلمّا قدمتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سألتُه عن ذلك. فقال: «إنهم كانوا يُسمُّونَ بأنبيائِهم والصالحينَ قبلهم»." (صحيح مسلم 2135)
فالتسمية هي كناية واقتداء بصلحاء اليهود كما يُسمي الناس بعضهم ببعض أسماء الأشخاص التاريخيين لوجود تشابه في نقاط أو ظروف معينة بينهم. أما سكوت أُمّ المؤمنين رَضِيَ اللهُ عَنْهُا عن السؤال حول هذه الشبهة فلعلها إن صحّت الرواية لَمْ تكن ببساطة تعرف الجواب وهو أمر طبيعي ولذلك سأل الصحابيُّ بن المغيرة ؓرَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فأجابه بهدوء. وللتفصيل في الموضوع نقتبس من كلام المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في تفسير قوله تعالى أعلاه من سورة مريم كما يلي:
" أي يا أخت هارون، كيف جئتِ هذه الفعلة الشنيعة مع أنَّ أباك لَمْ يكن شخصًا سيّئًا، ولم تكن أُمُّك امرأة فاحشة؟ يقول المفسرون أنه كان لمريم أخٌ من أُمٍٍّ أخرى اسمه هارون (تفسير مظهري). ولكن لا أثر لهذه القصة في تاريخ اليهود، فلا يمكن الأخذ بمثل هذا القول العاري من الدليل والبرهان.
ويقول بعضُهم إنَّ اليهود سمّوا مَرْيَمَ أخت هارون لكونها من نسل هارون ؑ. ودليلهم هو أن أليصابات زوجةَ زكريا كانت من قبيلة هارون عَلَيهِ السَلام بحسب التوراة، وكانت مريم من أقارب أليصابات، فسماها القرآن أخت هارون (ترجمة القرآن لجورج سيل). وهذا المعنى قد ذكره أولئك النصارى الذين كانوا منصفين، غير متعصبين. في حين أنَّ بعض المسيحيين قد طعنوا في القرآن بسبب هذه الآية، وقالوا إنَّ هذا دليل على أنَّ محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يجهل التاريخ جهلاً تامًّا حتى إنه لَمْ يعرف أنَّ هارون قد خلا قبل المسيح بأربعة عشر قرنًا (ينابيع الإسلام ص 104). وذلك بالرغم أنَّ بعض المسيحيين الآخرين أنفسهم قد ردُّوا على الاعتراض وقالوا: إنه قول باطل. إنَّ محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كان على علم تام بتاريخ عصر موسى وهارون، حيث ذكر القرآن الكريم في مواضع عديدة منه بعض الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى وهارون عليهم السلام. فلا قيمة لهذا الطعن. لما كانت أليصابات من أسرة هارون عَلَيهِ السَلام، وكانت مريم من أقاربها، فسماها القرآن أخت هارون (تفسير القرآن لِـ "ويري").
ويبدو من الحديث الشريف أنَّ هذا الطعن قد ذُكر أمام النبي ﷺ ذات مرة، فقال ﷺ: ذلك كعادة اليهود حيث كانوا يسمون أولادهم بأسماء أنبيائهم وصلحائهم (فتح البيان، وابن جرير)." (التفسير الكبير، سورة النور)
وفي هذا الصدد قال المصلح الموعود رضي اللَّه عنه أيضا:
"بيد أني أرى أنَّ هذه الآية تنطوي على مفهوم آخر أيضاً يدل على أنهم قد سمّوا مريم أخت هارون تعييراً بها وسخرية. ذلك لأن هارون كانت له شقيقة لم تكن أختًا حقيقية لموسى. ويرى بعض المؤرخين أنها لَمْ تكن أختًا غير شقيقة لموسى، بل كانت أختًا لزوجة موسى، وكانت تُدعى أيضاً مريم. ويتضح من التوراة أنها وأخاه هارون قد اعترضا على موسى لزواجه من امرأة كُوشية (العدد 12: 1). ويتضح من القرآن الكريم أنَّ هذا الطعن كان شديدًا وكأنهم اعتبروا علاقة موسى مع المرأة الكوشية علاقة غير شرعية، حيث قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذَوا موسى فبرّأه الله مما قالوا} -الأحزاب: 70. ويبدو أن موسى ؑقد اتُّهم إما بالزواج من امرأة مومسة، أو من امرأة متزوجة سلفًا. وأيًّا كانت نوعية التهمة بالضبط، فإن التوراة تخبرنا أنَّ مريم التي اتهمت موسى أصيبت بمرض الجذام عقابًا على جريمتها. ولكن الغريب أنَّ التوراة تخبر، من ناحية، أنَّ هارون وأخته مريم كلاهما قد اتهما موسى بالفاحشة، ولكنها من جهة أخرى، تذكر أنَّ مريم وحدها نالت العقاب، أما هارون فلم يقع عليه أي عقاب. وهذا يدل على أنَّ هارون لم يتّهم موسى، وإنما أضافت التوراة اسم هارون كعادتها للطعن في أنبياء الله تعالى، وإلا لكان من الواجب عقاب المجرمَينِ على جناية واحدة. فثبت أنَّ مريم وحدها التي طعنت في موسى.
وتضيف التوراة أنَّ هارون شفَع لمريم هذه، فدعا لها موسى، فعفا الله عنها، فشُفيت من الجذام بعد سبعة أيام. ولكن مريم هذه التي كانت تُذكَر في التوراة بكلّ عظمة وإجلال قبل هذا الحادث، لَمْ تُذكر بعد ذلك بأي إكرام، بل إنَّ البعض قد اتهمها بمساوئ أخرى أيضا (العدد 12: 15).
فأرى أنَّ قول اليهود للسيدة مريم {يا أختَ هارونَ} كان على سبيل التعيير والسخرية، فقالوا يا مريم لقد ارتكبتِ جريمة بشعة تستحقين عليها عقابًا كالجذام مثل أخت هارون. فقََدْ أثرتِ فتنة كالتي أثارتها مريمُ أختُ هارون. إنها اتهمتْ موسى بالفاحشة، وأما أنت فقد ارتكبت الفاحشة، مع أنَّ أباك لَمْ يكن من الأشرار، كما لم تكن أمّك من المومسات. فما هذا الشر الذي أثرتِه؟" (التفسير الكبير)