loader
 

السؤال: قصة هاروت وماروت

يقول تعالى:

{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لمنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْْسَ ما شَرَوْا به أنْفُسَهُم لَوْ كانوا يَعْلَمون} (البقرة 103)

تتحدث هذه الآية حول اليهود الذين عادوا دين الإسلام ورسول الله ﷺ وكانوا كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم، ولما جاءهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصداقًا لما جاء في التوراة التي بشرت به، جحدوا به وحاربوه، وبدل أن يتبعوا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويؤمنوا به، أصبحوا يخططون ويتآمرون للنيل من الإسلام ونبي الإسلام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبر محاولات اغتياله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من خلال حضّ كسرى ملك الفرس على مهاجمة المسلمين. إنهم –أي اليهود المعاصرين للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتبعون ما تتقول الشياطين على ملك سليمان، حيث اتهمه هؤلاء رؤوس الشر والفساد بأنه كافر يمارس الفاحشة والرذائل، لكن سليمان عليه السلام ما كفر، إنما أعداؤه الذين قاموا بتأسيس منظمة سرية تسعى لتقويض حكمه هم الذين كفروا، وهم الذين علّموا الناس السحر والخداع والدجل. كما عمل يهود المدينة على تقليد النبيين هاروت وماروت اللذيْن كانا قد خطّطا لتقويض ملك البابليين الذين اضطهدوهم بالتعاون مع ملك فارس كورش. ولكن المهم هو أن ما قام به هذان النبيّان ليس حرامًا، بل هو جهاد مشروع، ذلك أن البابليين قد ساموا اليهود سوء العذاب، واضطهدوهم في دينهم، وسَبوهم إلى بابل، بعد أن طردوهم من ديارهم وأجبروهم على مغادرتها. ومن هنا فلا يصحّ لليهود أن يتآمروا ضد نبي الإسلام زاعمين أنهم يتبعون النبييْن هاروت وماروت في مقاومة ملك البابليين. إنما هم متبعون في عملهم هذا أعداء سليمان عليه السلام الذين كانوا يتآمرون ضدّه، وكانوا يتهمونه بالكفر، رغم أنهم هم الكافرون. وعندما أرسل الله تعالى نبييْه هاروت وماروت، كانا يطلبان من اليهود الانضمام إلى دعوتهما القائمة على التحرر من الظلم البابلي، وكانا يحرّضان اليهود بقولهما: إن الله بعثنا اختبارًا لكم، فلا تكفروا بعدم اتباعنا. وقد كان هاروت وماروت يبينان للناس صعوبة الأمر الذي يقدمون عليه من تخطيط وتنسيق مع ملك فارس لمحاربة ملك بابل، فإذا انكشف أمرهم حصلت الكارثة، ولكن هذا الفعل –وهو التحرر من نير الظلم البابلي- واجب، ومن ثمّ يجب على اليهود أن يطيعوا نبييْهم هاروت وماروت اللذيْن أرسلا لامتحان الناس واختبارهم وليميز الله الخبيث من الطيب، وكانا يقولان لمن يدعوانه: إياك من عدم اتباعنا وطاعتنا فيما نحن ننوي القيام به طاعة لله، وإلا فإنك تكفر. أما قوله تعالى {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}، فلا شيء فيه عن الحجابات وأثرها في إحداث خلافات أسرية، بل إن هذين النبيّيْن كانا لا يضمان في عضوية منظمتهم السرية –الهادفة لتقويض ملك بابل الظالم- سوى الرجال، أما النساء فكان يتم إخفاء العمل عنهن، ولا يُسمح لهن الاشتراك في أي نشاط، ذلك أن النساء لا يستطعن تحمل أعباء هذه الأعمال الخطيرة، وقد يتم إفشاء أسرار خطيرة من خلالهن. وقد يبدو هذا التفسير غير مستساغ، لكن إذا ربطناه بالتاريخ فلا يبعد ذلك، وإذا فنّدنا أن يكون مَلَكَان معصومان يقومان بتعليم الناس السحر والخداع، بات هذا التفسير طبيعيًا لا غرابة فيه.

 

أما قوله تعالى:

 

{وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}

 

فمعناه أن هذه الجمعية السرية لا تقوم بالإضرار بأحد إلا من خلال الوحي الذي أنزله الله تعالى إلى هاروت وماروت، فهم لا يعتدون على أحد ولا يضرون أحدًا حبًا في العدوان، بل إن هذا يتم بوحي من الله تعالى الذي أراد أن ينجي عباده من الظلم العظيم الواقع عليهم من البابليين. وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} (الحشر: 5)

 

وقوله تعالى:

 

{وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ}

 

فمعناه أن اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتعلمون -من قصة هاروت وماروت وعملهم السري للإطاحة بالبابليين، ومن الجماعات السرية المناهضة لسليمان عَلَيهِ السَلام- كيف يخططون لخيانة عهودهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم محتجين بتلك الأعمال. وأنّى لهم ذلك، إنهم يتعلمون ما يضرهم في الدنيا والآخرة، ذلك أن عملهم مختلف جدًا عن عمل هاروت وماروت المشروع، فهما قد ثارا ضد الظلم، وأنتم -أيها اليهود-تتآمرون ضد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 

 

وقوله تعالى:

 

(وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ)

 

أي قد علم اليهود المتآمرون على الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم بعملهم هذا قد خسروا الآخرة، لأنهم يعلمون أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم صادق، ولا يمكن أن يكوم كاذبًا بحال من الأحول، لكنه العناد والكبر اليهودي.

 

وأما قوله تعالى:

 

{وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}

 

أي لو كانوا يعلمون أن الرسول محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سينال من القوة والسلطان ما لا قِبل لهم به، وأنه سينفيهم من الجزيرة العربية جزاء خيانتهم المتكررة!

 

ويمكن للاستزادة حول هذا الموضوع قراءة التفسير الكبير للآية ١٠٣ من سورة البقرة لحضرة الخليفة الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ المتوفر على الموقع الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية.


 

خطب الجمعة الأخيرة