loader
 

السؤال: هناك حديث يقول عن النبي انا معشر الانبياء لانورث، وفي القرآن مذكور التوريث بأكثر من ايه. هل المحدث كاذب أو الحديث ضعيف مع ان السامع ابو بكر الصديق والمحدث عائشة زوجة الرسول. والحديث هو:
{حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ قَالَتْ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكٍ وَصَدَقَتَهُ بِالْمَدِينَةِ فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَقَالَ لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكٌ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ وَقَالَ هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ قَالَ فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ اعْتَرَاكَ افْتَعَلْتَ مِنْ عَرَوْتُهُ فَأَصَبْتُهُ وَمِنْهُ يَعْرُوهُ وَاعْتَرَانِي} (صحيح البخاري, كتاب فرض الخمس)

بينما القرآن الكريم يذكر التوريث في الآيات التالية:
{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (6) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (7) } (مريم 6-7)
والآيه الثانيه عن ما آفاء الله عليك من اهل القرى
مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7 (

أليس من تناقض بين الحديث الشريف على لسان عائشة رضي الله عنها وبين الآيات القرآنية؟

المعنى المقصود لهذا الحديث إنما هو أن الأنبياء لا يورثون الثروات والأموال الطائلة، لأنهم لا يأتون لكي يجمعوها ثم يورثوها لأبنائهم وذريتهم. وهذا لا يعني أنهم لا يورثون بالمطلق، أو عند وفاتهم فلا تتقسم التركة كما فرضها الله تعالى ولا يكون لذريتهم نصيب منها، بل ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم هو أننا لسنا طلاب دنيا، ولا يهمنا أمرها، ولا نسعى للحصول عليها، ولو تركنا فلن نترك إلا القليل الذي لا يعد شيئا من ميراث الدنيا ومتاعها.

فإرث النبيين عليهم السَلام هو النبوة والحكمة وليس العرض الدنيوي، وهذا ما يشرحه سيدنا أبو هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حين مرَّ بسوق المدينة فوقف عليها فقال: يا أهل السوق ما أعجزكم قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَسَّمُ وأنتم ها هنا، ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد، فخرجوا سِراعاً، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة قد أتينا المسجد فدخلنا فيه فلم نر فيه شيئاً يُقَسَّمُ! فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحدا؟ قالوا: بلى، رأينا قوماً يصلون، وقوماً يقرؤون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام! فقال لهم أبو هريرة: وَيْحَكُمْ، فذاك ميراث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." (صحيح الترغيب والترهيب، المنذري 1 / 19)

 

فميراث النبي هو نبوته وسنّته.

 

أما قول الشيعة بأن سيدنا أبو بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اخترع الحديث بسبب كرهه لآل البيت فهو اختراع الشيعة لا غير، فعَن ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: "ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ." (صحيح البخاري، 3713)

 

وحتى في نفس رواية غضب السيدة فاطمة على أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما في صحيح البخاري يقول أبو بكر: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي.". أهـ

 

كما أن الرواية لم يروها أبو بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فقط بل رواها أيضاً عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في صحيح مسلم وأبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في صحيح ابن خزيمة، والجميل أن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ طلب من الصحابة في مجلسه وهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص والعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب رِضوانُ اللهِ عَلَيهِم إذا كانوا يعلمون هذا الحديث (لا نورث، ما تركناه صدقة) أجابوا جميعهم بأنهم يعلمون هذا الحديث وكان بينهم علي والعباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، والحديث كالتالي: "فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ فَقَالَ أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ قَالَا نَعَمْ.". (صحيح مسلم)

 

إذن علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نفسه يعلم هذا الحديث.

 

فلا تناقض بين الحديث الشريف والقُرآن الكَرِيم. 


 

خطب الجمعة الأخيرة