يقول المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
"فالمراد من قول سليمان ؏: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) أنه قد عُلِّمَ اللغة التي يُعلَّمها الذين يطيرون في سماء الروحانية عاليًا، أي أنه قد أُعطي المعارف والحقائق التي تُعطى للأنبياء. وقد أكد القرآن الكريم هذا الأمر لأن اليهود والنصارى لا يعتبرون سليمان ؏ نبيًا وإنما يعدّونه مَلكًا دنيويًا فقط، ومن أجل ذلك تجد الكتاب المقدس لا يذكره أبدًا كنبي بل يعتبره أحد الفلاسفة والعلماء فحسب، حيث ورد فيها: “وأعطى الله سليمانَ حكمةً وفهمًا كثيرًا جدًا ورحبةَ قلبٍ كالرمل الذي على شاطئ البحر. وفاقت حكمةُ سليمان حكمةَ جميع بني المشرق وكلَّ حكمةِ مصر.” (الملوك الأول 4: 29-30) وكذلك ورد فيها عن سليمان ؏: “وتكلَّمَ بثلاثة آلاف مثل، وكانت نشائده ألفًا وخمسًا. وتكلَّمَ عن الأشجار من الأَرْز الذي في لبنان إلى الزُوْفَا النابت في الحائط. وتكلّمَ عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك. وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعوا حكمةَ سليمان من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته.” (المرجع السابق: 32-34) وليس هذا فحسب بل إن الكتاب المقدس يتهم سليمان ؏ فيقول: “وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أَمَلْنَ قلبه وراءَ آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه.” (الملوك الأول 11: 4) إذًا، فإن الله تعالى قد فنّد بهذه الآية القرآنية موقفَ اليهود والنصارى من سليمان ؏، وبيّن أنه كان نبيًا وأن الله تعالى قد أعطاه نفس العلوم والمعارف التي قد أعطاها لعباده المختارين الذين يطيرون إليه ويتبوأون من قربه درجة عالية." (التفسير الكبير، سورة النمل)