صلاة التراويح لها أصل وليست صلاة جديدة لأنها صلاة التهجد والنوافل التي عمل بها النبي ﷺ بالطريقيتن أي جماعة ومنفردا ثم توقف عنها بالجماعة خشية أن يظن الناس وجوبها ..
كما أن قيام الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بجمع الناس لصلاة التراويح كان بناء على أن النبي ﷺ قام بذلك وثبت من سنته الشريفة أداؤها جماعة كما جاء في الصحيح مما رواه الصحابة رضي الله عنهم:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: {صليت مع النبي ﷺ التهجد جماعةً في إحدى الليالي}. (البخاري كتاب الوضوء)
وفي رواية أنه قال:{صليت التهجد والوتر جماعة مع النبي ﷺ في ليلة} (البخاري كتاب الدعوات).
وقال حذيفة رضي الله عنه: {صليت مع النبي ﷺ التهجد جماعة في إحدى الليالي} (مسند أحمد).
وقال عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه: {صليت التهجد مع النبي ﷺ جماعةً} (سنن أبو داود).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: {صليت التهجد مع النبي ﷺ جماعةً}. (البخاري ،التهجد)
إذن يتضح من الروايات المتواترة أن النبي ﷺ صلى مع الصحابة النوافل جماعة وكذلك صلى في مسجده النوافل جماعةً في الجزء الأول من الليل، وذلك في ليال ثلاث في العشر الأواخر من رمضان في سنة واحدة فقط. كما جاء في الروايات التالية:
1: قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: {صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، فَلَمْ يُصَلِّ بِنَا حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنْ الشَّهْرِ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ. ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا فِي السَّادِسَةِ، وَقَامَ بِنَا فِي الْخَامِسَةِ حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ فَقَالَ إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ. ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ بِنَا حَتَّى بَقِيَ ثَلَاثٌ مِنْ الشَّهْرِ، وَصَلَّى بِنَا فِي الثَّالِثَةِ وَدَعَا أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى تَخَوَّفْنَا الْفَلَاحَ (أي: الفجر)}. (سنن الترمذي أبواب الصوم)
2: قال النعمان بن بشير رضي الله عنه: {قُمْنَا مَعَهُ ﷺ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لَا نُدْرِكَ الْفَلَاحَ} (النسائي، كتاب قيام الليل)
3: قال أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِن الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِن اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِن الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ. وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ}. (البخاري، كتاب التهجد)
تبين من هذه الأحاديث أنه لو انضمّ إلى النبي ﷺ في صلاة التهجد أو النوافل بعد صلاة العشاء شخص أو أكثر لم يمنعه من الانضمام إليه في الصلاة، مما يثبت أنه لا بأس في أداء النوافل جماعةً، إلا أنّ النبي ﷺ كانت عادته الشريفة أن يصلي التهجد وغيرها من النوافل منفردا على العموم. وقد قال ﷺ : {عليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة}. (البخاري كتاب الأدب).
هل ما فعله سيدنا عمر رضي الله عنه كان محدثة وضلالة ؟
في السنوات الأولى من خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه كان بعض العمال وأصحاب المهن الشاقة الذين كانوا يصابون بالإرهاق بسبب أعمالهم الشاقة وكان يصعب عليهم الاستيقاظ للتهجد، يصلّون النوافل بعد العشاء في المسجد فرادى أو في جماعات صغيرة. فقام عمر رضي الله عنه، مسترشدا بأداء النبي ﷺ النوافل في رمضان جماعةً ثلاثة أيام، فعيَّن إمامًا للذين كانوا يصلون النوافل بعد العشاء متفرقين، وهكذا كانت بداية صلاة التراوايح في رمضان.
قال عبد الرحمن بن عبد القاري رضي الله عنه: {خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ. ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ قَالَ عُمَرُ نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِن الَّتِي يَقُومُونَ، يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ.} (البخاري، كتاب صلاة التراويح)
وقد أوصى النبي ﷺ أمته بقوله: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين} (سنن ابن ماجة، كتاب أبواب السنة).. أي عندما تظهر الخلافات فعليكم باتّباع سنتي وسنة الخلفاء الراشدين، وعلى ضوء هذه الوصية النبوية فإن هذه الخطوة التي اتخذها عمر رضي الله عنه ليست مثار اعتراض ولذلك رد على من سيظنها بدعة أنها نعم البدعة هذه أي نعم بدعة هذه ثبتت من سنة رسول الله ﷺ .
فما قام به سيدنا عمر رضي الله عنه لم يكن ملزما للناس في وقته إذ كان سيدنا عمر نفسه لا يحضرها، وإنما دبّر هذا الأمر تسهيلا للضعفاء وللعمال ولذوي المهن الشاقة ممن يصعب عليهم أداء صلاة التهجد. إلا أنه لو اشترك أحد في أداء هذه النوافل بعد صلاة العشاء ثم صلى التهجد أيضا، فلا بأس في ذلك أيضا.
لقد قضى سيدنا المسيح الموعود الحكم العدل عليه الصلاة والسلام في هذا الخلاف المثار بين طوائف المسلمين سنة وشيعة، وأفتى ردا على استفتاء وصله مكتوبا فكتب:
{التراويح أيضا سنة، فصلِّها وصلِّ أيضا في البيت أحيانا منفردا، لأن التراويح إنما هي صلاة التهجد وليست صلاة جديدة}. (جريدة بدر، 26/12/1907 ص6)
وسأل شخص: هل على المرء أن يصلي التراويح ثماني ركعات جماعةً قبل النوم في المسجد في رمضان، أم عليه أن يستيقظ في أواخر الليل ويصلي وحده في البيت؟
فقال عليه السلام: {صلاة التراويح ليست صلاة جديدة، وإنما التراويح يعني أداء نوافل التهجد ثماني ركعات في أول الليل بدلاً في آخره، وتجوز بالصورتين، وقد صلاها النبي ﷺ بالطريقتين، ولكن كان أكثر عمله أن يصلي في أواخر الليل في بيته منفردا}. (جريدة بدر، 26/12/1907 ص2)
وروى حضرة الدكتور مير محمد إسماعيل رضي الله عنه عن المسيح الموعود عليه السلام :
{في عام 1895 قضيت شهر رمضان كله في قاديان، وصليت التهجد، أي التراويح، وراء المسيح الموعود عليه السلام الشهر كله. كانت من عادته الشريفة أن يصلي الوتر في أول الليل، ويصلي التهجد ثماني ركعات ركعتين ركعتين في آخر الليل}. (سيرة المهدي، جزء2 ص 12 رواية 319)
سأل سائل غريب الخليفةَ الأول رضي الله عنه بعد أن فرغ حضرته من إلقاء درس القرآن الكريم في 20/10/1907: لم يثبت عن النبي ﷺ أداء صلاة التراويح أكثر من ثلاث أو أربعة أيام، لذلك يسميها البعض بدعة عُمُرية، فماذا تقول في ذلك؟
قال رضي الله عنه: {حتى لو كان النبي ﷺ صلى التراويح يوما واحدا، فقد صار عمله سنةً، أما أنه لم يداوم عليها فهذا لا يُخرجه من كونها سنةً، إلا أنّ هذا يدل أنها ليست فرضا. غير أن على المرء أن يعمل بالسنة أيضا. أما قولك بأن التراويح بدعة عمرية فما الحرج في هذه الصلاة؟ حتى لو قالوا أنها بدعة عمرية، فإن الله تعالى يقول: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه). فهذه الآية تأمر باتباع عمر أيضا، وكان الصحابة رضي الله عنهم يتبعون عمر في مئات الأحكام، لأن الله تعالى يأمرهم بذلك في قوله (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه)
فقال السائل: فكيف عملك أنت؟ فقال رضي الله عنه: {كيف يمكن أن أعمل خلاف فتواي هذه؟ وهذه فتواي التي أخبرتك عن التراويح}. (جريدة الحكم رقم 38 مجلد 11 يوم 24/10/1907 ص 10)
ورد في جريدة "الفضل" تحت عنوان: مسائل رمضان المبارك بعد إذن ومراجعة من حضرة الخليفة الثاني رضي الله عنه:
{إذا لم يستطع المرء أداء صلاة التراويح (يعني التهجد) في آخر الليل فيمكنه أن يصليها بعد صلاة العشاء}. (جريدة الفضل في عددها الصادر 28/7/1914 ص8)
وفي عهد حضرة الخليفة الثاني رضي الله عنه كانت صلاة التراويح تقام في المسجد الأقصى بقاديان بعد العشاء، وقبل طلوع الفجر في المسجد المبارك، وكانت في الحقيقة صلاة التهجد جماعةً.
وفي عهد الخليفة الثالث رحمه الله أمر حضرته بالعمل بذلك في المسجد المبارك بربوة لفترة، حيث كانت صلاة التراويح تقام جماعةً وقت التهجد.
وقال حضرة الخليفة الرابع رحمه الله:
{ورد عن صلاة التراويح أنها بدأت في زمن عمر رضي الله عنه، وقد أثيرت اعتراضات حولها من قبل قوم لم يعجبهم عمر، فقالوا طاعنين: التراويح سنة عمرية. مع أن الواقع أن أساس صلاة التراويح قد وُضع في زمن الرسول ﷺ نفسه، فهو الذي بدأ بأداء صلاة النوافل جماعة في شهر رمضان، ولكنه فعل ذلك بضعة أيام فقط، ثم تركه مخافة أن تفرض على أمته. فقد روي أنه لما اجتمع الصحابة في اليوم الرابع أو الخامس أخذوا يرفعون أصواتهم بقولهم: الصلاة يا رسول الله، ليدعوا النبي ﷺ لها، أو ظنوا أنه شغلته بعض الأعمال في البيت، ولكن الرسول ﷺ لم يخرج من بيته رغم سماعه أصواتهم، ثم في اليوم التالي وضح لهم وقال: {كنتُ قد علمت بمجئيكم ولكنني لم أخرج متعمدا مخافة أن أشق على الذين يأتون فيما بعد، فيكون عليهم تكليف ما لا يطاق}. (مسند أحمد)
فالحق أن أساس سنة أداء التراويح قد وضعه الرسول ﷺ بنفسه، وكل ما فعله عمر رضي الله عنه هو أنه سهّل على العمال الذين كانت أعمالهم الشاقة تنهكهم فكان الاستيقاظ لصلاة التهجد صعبا عليهم، فسمح لهم بأن يصلوا بعد العشاء بدلاً من وقت التهجد....... كان من سنة الرسول ﷺ عموما أن يصلي 8 ركعات ثم ركعتين وركعة وترا، ليجعل الصلاة كلها وترا، وهذا يعني أن السنة أداء 11 ركعة (مسلم كتاب الصلاة)، وبذلك تعمل جماعتنا الإسلامية الأحمدية، وفي قاديان أيضا كنا نُعلَّم أن التراويح 11 ركعة. وكما قلت كان يجتمع بعض الناس لصلاة التراويح في قاديان أيضا ممن كانوا لا يستطيعون الاستيقاظ صباحا، أو كان عندهم عذر آخر، وبعضهم كانوا يجتمعون لصلاة التراويح ليستعموا فيها القرآن كله حيث تتاح لهم الفرصة لسماع جزء أو أكثر كل يوم، وكان كثير منهم يستيقظون لصلاة التهجد أيضا. فالأمر كله يتوقف على توفيق كل إنسان....... أما الظن أنه لا بد من قراءة جزء أو أكثر يوميا لشهر أو 29 يوما لكي تكتمل دورة القرآن كله فالعمل بذلك بشدّة لا يليق، لأن التراويح تجوز بدون تكميل الدورة القرآنية. إن روح التراويح هي أنها بديل التهجد.. أي أن النوافل التي تصلونها وقت التهجد تصلونها في أول الليل، والحكم الأساس الذي جاء في القرآن الكريم بشأن صلاة التهجد هو (فاقرأوا ما تيسر منه)، والمراد من التيسر هو أن لكل شخص توفيقه وعلمه، فله أن يقرأ في التهجد ما يحفظه من السور، وليس أن يفتح المصحف ويقرأ منه وهو يصلي. فالسنة التي سنها سيدنا عمر رضي الله عنه في عهده قد أضفى عليها جمالا زائدا حيث فكر أنه ما دام يدبر لصلاة التراويح جماعة فالأفضل أن يأمر أحد قراء القرآن بالإمامة، فعين قارئا عذب الصوت جدا ليؤمهم في التراويح (البخاري، كتاب الصلاة).
والحمد لله رب العالمين