بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال وجواب:
توجه أحد العرب من المدينة المنورة أثناء زيارته لمسجد لندن بسؤال إلى حضرة خليفة المسيح الرابع أيده الله بنصره العزيز فقال:-
" لقد ترتب على مجيء حضرة ميرزا غلام احمد انقسام في الأمة الإسلامية، في حين أن القرآن الكريم يذكر أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، والقرآن المجيد هو آخر الشرائع وهو كتاب كامل نهائي ينظم حياة البشر، فما هي الحاجة لمجيء نبي جديد؟"
قال أمير المؤمنين أيده الله بنصره العزيز:
قبل الإجابة على هذا السؤال - دعنا نعود إلى ما قبل أن يدعي أحد ما بأنه نبي من الأمة، ولنسأل أنفسنا: هل كانت الأمة الإسلامية حقا أمة واحدة قبل الدعوة؟ ألم يكن القرآن الكريم نفسه هو كتاب الأمة؟ وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم هي نفس الأحاديث، ومع ذلك انقسمت الأمة إلى ثنتين وسبعين فرقة؟ وذلك إن أردت أن تسميها اثنتين وسبعين أمة، أو إن شئت سميتها أمة واحدة ... فالخيار لك.
ولكن الواقع والحقيقة - إن هذه الفرق موجودة وقائمة، وأنها لم تقم لمجرد الأسماء، وإنما بسبب اختلاف المفاهيم والآراء، فإن لهذه الفرق الاثنتين والسبعين وجهات نظر متعارضة حول فهم القرآن الكريم والأحاديث النبوية، بحيث لا يملك أي إنسان عاقل أن يطلق عليها أمة واحدة. ولندع مؤقتا الجماعة الإسلامية الأحمدية، وما تمثله، ولنتأمل وجهة نظر الشيعة مثلا:
انهم يؤمنون بالقرآن الكريم، وبأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنهم – يعتقدون أن الخلفاء الثلاثة الأوائل لم يكونوا خلفاء للإسلام حقا، وإنما كانوا مغتصبين، وعند الشيعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك بعده سوى عشرة من المسلمين الأتقياء الورعين، أما الباقون فقد كانوا جماعة من المنافقين، وأن من تسمونهم خلفاء راشدین، ونسميهم معكم كذلك، فهم عند الشيعة رؤساء المنافقين، وهذا ما يقبله المسلمون، وهذا ما يسمى إسلاما واحدا.
ثم تعال - تذكر فرقة الديوبنديين، أنهم يعتقدون بأن فرقة البرلويين من المشركين، كما يعتقدون أن من يؤمن بكون النبي صلى الله عليه وسلم عالما بكل شيء، باقيا مثل الله عز وجل لهو مشرك من الدرجة الأولى، ولا يمكن قبوله هكذا في نطاق الاسلام، كما يخبرنا أحد قـــــادة الديوبنديين، ويلح في القول، بأن كل برلوي بعد مماته سيطرد من إمام حوض الكوثر - بأشد ما يطرد به الكلب بعيدا، ولسوف يقول النبي صلى الله عليه وسلم للبرلويين: اذهبوا بعيدا، تحسبون أنكم مسلمين؟ ولكني أعلم أنكم لستم مسلمين.
ثم إن فرقة البرلويين، وهم ينتمون لنفس الأمة، ويؤمنون بالقرآن الكريم، وأحاديث النبي صلی الله عليه وسلم، ومع ذلك فهم يعتبرون فرقة الوهابين، وهي الفرقة الغالبة بين أهل الجزيرة العربية مع أهل الحديث من الكافرين. بل أن كفرهم قد بلغ حدا يستلزم تكفير من لم يكفرهم، ويوضح أحد زعماء البرلويين البارزين في كتابه (حسام الحرمين) قائلا: "أن من يصلي خلف الديوبندي، أو الوهابي، أو أهل الحديث، أو الشيعي، أو الشكارلوي أو القادياني الخ ... فهو كافر، ومن يسمح لأحدهم أن يصلي خلفه، فهو كافر، ومن يتزوج منهم، أو يزوجهم ،فهو كافر، بل أن زواجهم من بينهم زواج باطل طبقا للشريعة الإسلامية" - هكذا كان حال الأمة قبل مجيء المسيح الموعود عليه السلام، وهكذا حال الأمة حتى اليوم.
فلنعد الآن إلى الوراء، هل هذا هو الإسلام الواحد؟ وهل هذه الممارسات تنتمي لأمة واحدة؟
هل تدري ماذا حدث في الباكستان بعد أن أعلنوا بأننا نحن الأحمديين غير مسلمين وقرروا حرماننا من حقنا أن ندعى مسلمين؟
هل تعلم أن هناك معارك قائمة بين فرقتي الديوبنديين والبرلويين؟
وأن النشرات توزع على نطاق واسع في الباكستان - نشرات تكفير بين الفريقين، وإخراج من الإسلام - فإذا كانت هذه أمة واحدة تسبب المسيح الموعود في انقسامها فلا ضرر إذن قد وقع. ولماذا تعتبر الحركة الإسلامية الأحمدية أكثر استحقاقا للرفض من بين الفرق الإسلامية كلها؟ والآن - دعنا - نتناول السؤال من ناحية المبدأ.
إن القرآن الكريم كتاب واحد، وهو بلا شك كامل، كما أن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم نهائية، ولا يزال القرآن الكريم وحديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هما القول الفصل، والكلمة المقبولة إيمانا وتصديقا، وتطبيقا واتباعا إلى آخر الزمن، ومع أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هو النبي النهائي لآخر الزمن، فقد تنبأ بنفسه عن مجيء الإمام المهدي أنه يظهره الله تعالى ويقيمه، ولنسأل أنفسنا مخلصين: "ما هي الحاجة إلى هذا الإمام المهدي"؟ ولماذا نقبل الإمام المهدي؟ في حين أن القرآن المجيد كتاب كامل، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم مصونة، وأن ما بين دفتيهما حكم نهائي.
وطبقا لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنت بحاجة إلى الإمام المهدي، وأنت في انتظار الإمام المهدي." فما حاجتنا إليه، ولماذا ننتظره، وما هو مقام هذا الإمام المهدي؟
إني واثق بأنك لم تفكر في هذا الموضوع، ولو أنك فكرت فيه الآن لأصابتك الدهشة حيث - ستكتشف أن اعتقادك هو اعتقادنا تماما.
فأنت تؤمن أن الإمام المهدي سيختاره الله تعالى ويقيمه، ولن يتم اختياره من بين المسلمين وليس هناك مسلم واحد يعتقد بأن اختيار الإمام المهدي لن يكون من الله تعالى، وأن جماهير المسلمين ستختاره من بينها، ولو ادعى مسلم بذلك، لبادر علماء المسلمين إلى تكفيره. لأن مثل هذا الادّعاء يخالف عقيدة الأمة كلها.
فالإمام المهدي شخص سيأتي إن لم يكن قد أتى فعلا، وسيكون من اصطفاء الله تعالى اصطفاء مباشرا، وهو الذي يقيمه ويبعثه، هذا جانب من تلك العقيدة، أما الجانب الآخر منها أنه من يرفض الإمام المهدي عندما يأتي سيعد كافرا. أليس هذا القول حقا؟
الأمة كلها تعتقد بهذين الأمرين ما عدا فرقتي أهل القرآن والشكارلويين، ولست أعنيهم ولكني أقصد الأمة كلها في مجموعها، إنهم يعتقدون أن الإمام المهدي من اصطفاء الله تعالى، وليس بالانتخاب الجماهيري، وهم يعتقدون أيضا بأنه سيكون إماما لكل الأمة ولكل العالم ومن ينكره، أو يعارضه، فهو خارج عن الإسلام.
وإذا وضعنا هذين الاعتقادين في اعتبارنا، فهل في وسعك أن تسوق لنا مثالا لرجل يتصف بهاتين الصفتين، ويتميز بهاتين الميزتين، ثم لم يكن نبيا؟
الواقع أن تاريخ الأديان لا يقدم لنا مثالا واحدا لرجل يختاره الله تعالى، ثم لا يكون تصديقه والإيمان به أمرا إلزاميا إلا ويكون نبيا.
اقرأ في القرآن المجيد موضوع الإيمان الذي يجب أن تدين به، إنه يتمثل في قولنا: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، هذه هي العقائد الأساسية التي نؤمن بها، فمن بين هذه المبادئ الستة التي ذكرتها جاء مبدأ واحد يشير إلى البشر، وهو المبدأ المتعلق بالنبيين، فالقرآن لا يلزم الإنسان بأن يؤمن بإنسان آخر، إلا إذا كان من الأنبياء، فهم وحدهم من بين البشر الذين ينبغي الإيمان بهم، وإذن نجد في تعاليم القرآن أنها تفرض على الإنسان أن يؤمن بالأنبياء، وإلا كان كافرا.
إننا ملزمون بنص القرآن الكريم أن نؤمن بكل نبي، ولكن هل تجد في القرآن آية واحدة تأمرنا بالإيمان برجل واحد من غير الأنبياء.
إن هذا هو عين ما تقولونه، فبالنسبة للإمام المهدي وكل من يقيمه الله، ويكلفه بنفسه، فهو نبي وها أنتم لا تؤمنون بظهور نبي تابع في حين أنكم تؤمنون بالإمام المهدي، الذي سوف يصطفيه الله، ويقيمه ويكلفه بنفسه، فلا شك أنكم تناقضون دعواكم بأنفسكم، ويبقى الأمر بعد ذلك مسألة أشخاص.
وفيما يتعلق بالعقيدة، فإن الرجل الأمين الصادق، لا بد لأن يوافق، ويعترف بأن مفهوم الإمام المهدي هو تماما مفهوم النبي التابع، ومهما كان الأمر - سميته نبيا تابعا أم لا، دعوته إنسانا أم لا، كل ذلك لا يهم، إنما ما يهم - هو التعريف أنك إن سميت إنسانا كلبا فلن يكون كلبا وإنما سيبقى إنسانا، وكل من يتصف بصفتي الإمام المهدي سيبقى نبيا، مهما كان الاسم الذي ستدعوه به: آمنتم به أو رفضتموه فسيبقى نبيا.
ثم أنكم تؤمنون أن المسيح عيسى عليه السلام قادم مرة أخرى، فبأي صفة سوف يأتي، هل سيتخلى عن نبوته، ويتركها في السماء إذا نزل من هناك؟ بالطبع لا، وكل علماء المسلمين يعتقدون، ويدعون بأن من لا يؤمن بنبوة عيسى عليه السلام عند عودته سيكون خارجا عن الإسلام - هذا اعتقاد كل واحد من علماء المسلمين، سواء أكان من الأحمديين، أو من غيرهم، والسبب في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنبأ بمجيء المسيح، وأنه سيأتي بوصفه نبيا، ولقد وصفه في الحديث، الذي ورد في صحيح مسلم بأنه نبي الله، وتكرر ذلك أربع مرات، فإذن فأنت تؤمن وفقا لحديث الإمام مسلم بأن المسيح نبي، (إذن عليك أن تتصرف كرجل عاقل ذي بداهة وإنصاف).
إنكم تخرجوننا عن ملة الإسلام، لأننا نؤمن بنبوة المسيح الموعود، في حين أن المسيح الموعود الذي تنتظرونه سيكون نبيا.
وإذا كان المسيح الموعود عليه السلام صادق فلا بد وأن يكون نبيا، لأن الرسول الأقدس صلى الله عليه وسلم سماه نبيا، ولنفرض أن المسيح الموعود قال أنني لست نبيا، إنه بذلك يكون كاذبا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سوف يسأله: ألم تقرأ حديثي في صحيح مسلم؟ لقد أعلنت بنفسي: أن المسيح سوف يظهر في هذه الأمة بوصفه نبيا، فلو ادعى أحد أنه المسيح، وأنه ليس نبيا فلا شك أنه يكون كاذبا بكل تأكيد، إنك لا تستطيع التحقق من صدقه بطريقة أخرى، ولكنكم حسب منطقكم، إذا ادعى أحد ما بأنه المسيح، وأنه نبي، فهو كذاب أيضا، فما هو نوع المسيح الذي يمكن أن يأتي لهذه الأمة؟
إنه إن جاء مسيحا ونبيا كذبتموه، لأنكم تقولون بانتهاء النبوة بكل أشكالها، وإن جاء مسيحا غير نبي كذبتموه أيضا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلن أن المسيح نبي فما هو الحل إذن؟
الحل الوحيد الذي قدمه لنا بعض علماء الإسلام الآخرين: أن يكون نبيا تابعـــا مـــن الأمة، فهو بوصفه نبيا من الأمة لا يتعارض مع كون النبي صلى الله عليه وسلم هو النبي الأخير.
وهذا بالضبط ما نؤمن به، إننا لا نؤمن بنبوة جديدة، ولكننا نؤمن بنبي تابع، بنبي من الأمة كما أخبر بذلك القرآن الكريم في سورة النساء (70-71): ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ فكل من سينال ثوابا أو فضلا من الله تبارك وتعالى بعد بعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لا بد وأن يكون متبعا مطيعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان متبعا له صلى الله عليه وسلم فلن يحرم من أي فضل إلهي: لا من النبوة، ولا من الصديقية ولا من الشهادة، ولا من الصلاح، لأن المكافآت الأربعة مذكورة مع بعضها بالترتيب والتوالي، أولها النبوة، ثم الصديقية، ثم الشهادة، ثم الصلاح، وهكذا فإن عقيدتنا عن النبوة تماثل عقيدتكم تماما، أي لا بد وأن يكون نبيا متبعا، ولتطبق هذا على الإمام المهدي الذي تعتقدون بمجيئه، وهكذا تجدون أن عقيدتكم عن الإمام المهدي تتفق وعقيدتنا عنه، أي انه سيكون نبيا متبعا، ولنطبق نفس المعيار على المسيح الموعود، وهنا أيضا ستجد أن عقيدتنا عن المسيح الموعود تتفق مع عقيدتكم مائة في المائة.
وإذن فالامتناع عن وصف نبي بالنبوة لا يخلصك من أي إثم، بل في الواقع يجعل منك شخصا آثما، لأنك إذا اعتقدت في شخص ما أنه ذو صفة معينة، ثم لا توافق على تسميته بهذه الصفة، التي تعتقد بوجودها فيه، فهذا في الواقع جريمة حمقاء، ونحن لا نرتكب مثل هذه الجريمة، فنحن أمناء، وعلى صراط مستقيم، وإذن فالمسألة ببساطة، هي هل ظهر الإمام المهدي؟ أم لا؟ وهذا سؤال واضح.
أنتم تقولون عنا أننا غير مسلمين، لأننا نؤمن بنبي جديد، ولو كنا كفارا لهذا السبب، واعتقادكم هو تماما كاعتقادنا، فكل واحد إذن منكم كافر، ولن يبقى مسلم واحد، وينبغي أن يكون هذا الجانب في عقولكم.
والجانب الثاني، هو أن القرآن الكريم كتاب متكامل، وهو في الواقع غير قابل للتغيير أو التبديل، ومعانيه لم يطرأ عليها تغير ما، ولقد فسرت الآيات نفسها عدة تفسيرات متناقضة كما لو كانت تنتمي إلى عدة كتب مختلفة، فمثلا - لعلك سمعت عن الخلاف الذي يتعلق بكون الرسول صلى الله عليه وسلم نورا أم بشرا؟ وقد وردت الصفتان في حقه صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم في قوله: ﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌۭ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌۭ وَٰحِدٌۭ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًۭا صَٰلِحًۭا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدًۢا ﴾ (الكهف آية 111)
تفهم فرقة البرلويين من هذه الآية: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من البشر، لأنهم يقولون: ﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌۭ مِّثْلُكُمْ ﴾، في حين أن فرقة الديوبنديين يفهمون منها أنه صلى الله عليه وسلم بشر مثل كل البشر، والآية واحدة، ولكنها تفسر عند كل فريق بعكس الآخر، بحيث يندهش المرء ولا يدري ماذا يأخذ؟ وماذا يدع؟ فمثلا يفهم الشيعة من قول الله تعالى: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا ۖ ﴾ - أن أبا بكر رضي الله عنه كان في حالة من الشك لدرجة أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد من اللازم أن يقول له : ﴿ لَا تَحْزَنْ ﴾ وهذا والعياذ بالله دليل على نفاق سيدنا أبي بكر، ولكن قوما آخرين يجدون في هذه الآية أجمل وأعظم دليل على منزلة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل : ( إن الله معه - فحسب - بل إن الله معه ومع أبي بكر أيضا)، وأيا كان المعنى الذي يرضيك، فإننا لا نرضى إلا بالمعنى الثاني، ويمضي التعارض، مع أن الكتاب واحد، فإن ذلك لم يمنع من الخلاف في أمور أساسية، كما وان الخلافات تناولت أمورا تنفر منها طبيعتنا .
فمثلا: حول الآيات القرآنية التي تمنع التبني، وتأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتزوج من مطلقة متبناه، يقول المفسرون من أمثال مؤلفي كتاب الاتقان، والجلالين، وغيرهما أقوالا يصيبك منها الذعر الشديد لو كان في قلبك شعور بالمحبة والتقدير لنبينا صلى الله عليه وسلم، إنهم يقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى السيدة زينب رضي الله عنها اشتعلت نار العشق في قلبه نحوها، وخشي أن يعرف الناس بهذا الشعور الطاغي وكتمه في نفسه حياء من الناس، ولكن الله تعالى العليم بخفايا القلوب سمح له بالزواج منها وأصر على ذلك، وينسبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الأقوال الباطلة منها : أنه ذهب مرة إلى بيتها عند زيد رضي الله تعالى عنه، ودخل غرفتها دون أن يطرق الباب ويستأذن، فرأى من جسدها ما لم يسعفها الوقت لستره، وما أن لمح المستور منها حتى وقع في غرامها ... حاشاك - يا رسول الله، فإن هذا قد يحدث من أحد المفسرين أو شيوخ الدين، ولكن لا يمكن أن يحدث من نبينا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، إنه الذي قرأ علينا قول الله تعالى، وأدبنا بهذا الأدب: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌۭ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿٢٨﴾ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَدًۭا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌۭ ﴾ (النور 28-29 )
وهو الذي قرأ علينا قول الله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ (الصف ٣ ).
إن هؤلاء المفسرين يقولون حول هذه الآيات: أن الإسلام ينهى المسلم عن دخول البيوت وان كانت بيوت الأقرباء إلا بعد التحية والاستئذان، وان هذا الفعل كان من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهم أنفسهم الذين يقولون: انه دخل بلا استئذان ورأى ما رأى وعشق ما رأى ... يا للعار لقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم من الورع والطهر، بحيث لا يتسرب إلى قلبه الشريف أدنى ذرة من الريب. هل نسوا أنه صلى الله عليه وسلم هو القائل: ( لقد أسلم شيطاني ) - ولنلق الآن نظرة على المسيح الموعود ذلك الذي قبلناه وصدقناه، والذي تفخرون بسبه وتكذيبه، ولنرى كيف فسر الآيات السابقات.
يقول حضرته: أن الله تعالى رأى في قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم ما في هذا الأمر الإلهي من ثقل شديد، وأنه كان يعاني من الحرج الشديد من فكرة الزواج من امرأة مطلقة كانت زوجة لابنه المتبنى، ولكن الله تعالى أراد في نفس الوقت أن يكون التشريع الإلهي الحكيم نافذاً بشكل عملي على يد رسوله صلى الله عليه وسلم فهو الأسوة والقدوة في مثل هذه المواقف الصعبة، مثل إلغاء التبني وكشف الله تعالى عن التضحية العظيمة، والمعاناة الكبيرة التي تحملها المصطفى صلى الله عليه وسلم استجابة لأمر الله تعالى، فكان نعم القدوة.
إن أفضل الطرق لمعرفة المسيح الموعود عليه السلام، والحكم عليه، يكون بقراءة كتبه، فكلما وجدت خلافاً بين فرق المسلمين، وعلماء الأمة، فعليك الاطلاع على قراره ثم استخدم عقلك، وفطرتك، واحكم على قراره - أهو الأفضل أم لا؟
فلو درست سيرة المسيح الموعود عليه السلام، وقرأت له على ضوء هذه القاعدة فيمكنك - عندئذ - أن تفهم معنى مجيئه، وتدرك معنى عبارة (حكماً عدلاً).
ان المسيح الموعود عليه السلام يجلس على كرسي الحكم، وكل أحكامه صائبة، هذا هو الجمال، وهذه هي الحكمة من مجيئه، أنه لم يأت ليضيف جديداً إلى القرآن الكريم، وإنما جاء ليزيل كل إضافة نسبت إلى القرآن الكريم، ولم يأت لينقص شيئاً من القرآن الكريم، بل جاء ليعيد إليه ما سلبته منه التفسيرات والتأويلات الباطلة.
هذا هو معنى (الحكم العدل) وهذا هو سبب مجيئه، وأستطيع أن أقدم الكثير والكثير من الأمثلة، التي تؤيد قولي هذا. فالله تعالى هو الذي يفصل بيننا وبينكم منذ بداية الأحمدية، كلما أظهرتم العداوة نحوها، وبعد كل اضطهاد وامتحان، تنمو الأحمدية، وتزدهر، ولا تتضاءل أبداً، وكلما ازدادت شدة عداوتكم، كانت لنا بشارة وخيراً، فمن يخاف من الاضطهاد؟ إننا نذكر أحداث سنة ٣٣ و34و ٥٣ و ٧٤ وبعد كل محنة تنمو الجماعة وتنتصر، بمعنى أن تزداد عدداً بمعدل أسرع مما قبل، ويتضخم عدد الجماعة، ومركزها ونفوذها، فالجماعة التي تحظى بمثل هذا القدر، قدر جماعات الأنبياء، كيف يجوز لها أن تخشى الأغلبية؟ ومن هي تلك الأغلبية إذا كانت على الباطل في عين الله عز وجل؟ فما قيمتها؟
لقد رفض الله تعالى أغلبيات مماثلة من قبل، وكلما جاء نبي من عند الله تعالى كذبته الأغلبية ورفضته.
خذ أي مثال تختاره، وأرني ماذا كان رأي الأغلبية عنه؟ ثم أن الإسلام اليوم ليس أغلبية كما يظن، فإن المعارضين والمكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم - للأسف الأغلبية الغالبة في عالمنا. فإذا كان الأمر والقرار للأغلبية في هذا الصدد، فعليكم أن تنزلوا على رأي الأغلبية، وتتخلوا عن الإسلام قبل أن تهاجموا الجماعة الإسلامية الأحمدية فأغلبية العالم ضد الإسلام، بل أن مفكري الأديان والملحدين أكثر عدداً من المسلمين، وهم متحدون في عقيدتهم، في حين أن المسلمين فرق عديدة.
إن فرق الإسلام تتعارض مع بعضها البعض، بدرجة تجعل من يأخذ بعقيدة إحدى الفرق يؤمن ببطلان الفرق الأخرى بطلاناً شاملاً كاملاً. ومع ذلك تسمون الباطل إسلاما ويؤسفني أن الجميع يسمون مسلمين، وهم متحدون في أمر واحد يجمع بينهم، ذلك هو عداوتهم للجماعة الإسلامية الأحمدية.
إنكم تجلسون معاً بكل خلافاتكم الأساسية، وتعلنون أنفسكم مسلمين. ومن يسمي أبا بكر رئيس المنافقين مسلم عندكم، ومن يسمي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم کافرین، مسلم عندكم. ومن يؤمن بألوهية رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلم كذلك. وكل من يؤمن بكفر هؤلاء مسلم عندكم. ومن يمجد القبور مسلم عندكم ومن يكفرهم مسلم عندكم ... ما أجمل هذه الديانة التي تتسع لكل شيء وإن تعارضت المذاهب وتنافرت الأسس، فإذا كان هذا هو الإسلام (والعياذ بالله) فهو ليس بدين إذن فهو بلا ضمير ولا إنسانية.
إن المرء الأمين الشريف ينبغي عليه أن يكون أميناً مع نفسه، فمن حقكم أن تسمونا غير مسلمين. ولكن كونوا أمناء، وسموا الآخرين أيضاً غير مسلمين، لأن الفروق والاختلافات بينكم جميعاً أكبر وأعمق من كل خلافاتكم معنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.