جاء في التفسير الكبير:
شرح الكلمات:
تَشخص: شَخَصَ الشيءُ شُخوصًا: ارتفع. وشَخَصَ بصرُه: فتح عينيه وجعل لا يطرف مع دورانٍ في الشحمة. وشخصَ المـَيّتُ بصرَه وببصره: رفعه. وشخص من بلد إلى بلد: ذهب. وشخص الرجلُ: سار في ارتفاع. وشخص السهمُ: ارتفع عن الهدف (الأقرب).
مُهطِعين: هطَعَ الرجلُ: أسرع مُقبلاً خائفًا؛ أقبَلَ ببصره على الشيء فلم يرفعه عنه. وأهطَعَ البعيرُ: مدَّ عنقَه وصوَّب رأسه. وأهطع في السير: أسرع وأقبل مسرعًا خائفًا، لا يكون إلا مع خوف؛ وقيل: نَظَرَ بخضوع. (الأقرب)
مُقنِعي رءوسِهم: أقنَعَ رأسَه: نَصَبَه، وقيل: لا يلتفت يمينًا ولا شمالاً، وجعل طرْفه موازيًا لما بين يديه. أقنعَ الصبيَّ: وضع إحدى يديه على فأسِ قفاه وجعل الأخرى تحت ذقنه وأماله إليه فقبّله. وأقنع حلقَه وفمَه: رَفَعَه لاستفاءِ ما يشربه من ماء أو لبن أو غيرهما. وأقنع بيديه في الصلاة: رفَعَهما في القنوت. وأقنع رأسَه وعنقَه: رفعه وشَخَصَ ببصره نحو الشيء لا يصرفه عنه. (الأقرب)
هواءٌ: الهواءُ: الشيءُ الخالي؛ الجبانُ لخُلُوِّ قلبه عن الجرأة. (الأقرب)
التفسير: يخاطب الله هنا رسوله صلى الله عليه وسلم قائلا: إن تأخر العذاب عن المكيين لا يعني أننا غافلون عن أعمالهم، بل إننا نمهلهم لأسباب أخرى. ولم يصرح بهذه الأسباب لفظًا لأنه قد ذكرها في الآيات السابقة قبل قليل عند الحديث عن دعاء إبراهيم عليه السلام، إذ تضرّع إلى ربه قائلاً: لو خرج من أولادي من يرتكب الشرك فإنني أتبرأ منه كليةً، ولكنك يا ربِّ غفور رحيم، فإذا عاملتَهم برفق مما يحقق لهم الرقي الروحاني فأنت أحق به. ودعاؤه هذا يعني أنه كان يتمنى لهم الهداية، ولذلك أعطى الله سبحانه وتعالى المهلة لأهل مكة الذين كانوا من ذريته، لكي يهتدي منهم من يشاء. ولكن الأشقياء منهم كانوا يتمردون نتيجة هذه المهلة بدلاً من أن يهتدوا، لذلك كان لا بدّ أن تنقلب هذه المهلة إلى العقاب.
لقد قال تعالى: عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ولم يقل "عمّا يعمل أعداؤك من مكة"، وذلك لبيان أمرين؛ الأول: أن يؤكد على أن الظالم مهما أُعطي من مهلة فإنه يلقى مصيره المحتوم في آخر المطاف. والثاني: أن يُطَمئِن رسوله وأصحابه إذ يقول: نحن نعلم أن هؤلاء ظالمون، ولسنا بغافلين عمّا يصبُّون عليكم من ظلم وعذاب، ولكننا نمهلهم لأن إبراهيم تضرّع إلينا بأن نعامل أولاده برفق وغفران إذا ما صاروا ظالمين. وكنّا قبلنا دعاءه وبسبب ذلك امتنعنا عن إنزال العذاب عليهم إلى الآن.
وبعد توضيح سبب تأخير العذاب أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقدوم العذاب. فأشار إلى علامات هذا العذاب قائلاً: إنه سيكون عذابًا مفاجئًا. يصيب الكفار بالدهشة والذهول، فيرفعون رءوسهم لرؤية ما حلّ بهم، وسوف تنبهر عيونهم وستطير قلوبهم شَعاعًا.
هذا ما حَدَثَ بالضبط يوم فتح مكة. فعندما نقض المكّيون صلحَ الحديبية، زَحَفَ النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش الإسلامي على مكة دون أن يشعر أهلها بقدومه. وكان أبو سفيان حينذاك قد رجع من المدينة قبل يومين بعد مفاوضات فاشلة مع المسلمين. ففاجأه جيش المسلمين، قبل أن يصل إلى مكة. وعندما رأى أبو سفيان وأصحابه نيران المسلمين المعسكِرين حول مكة بالليل أُخذوا بالدهشة وقالوا: ما رأينا كالليلة نيرانًا قط ولا عسكرًا. وبدءوا يخمّنون قائلين: هذه نيران قبيلة كذا أو قبيلة كذا، ولم يخطر بخَلـَدهم أنها نيران جنود المسلمين. وعندما مرّت بهم طلائع الجيش الإسلامي عرفوا الحقيقة. وبينما أبو سفيان في حيرته إذ جاءه العباس رضي الله عنه على بغلةٍ وكان صديقًا لأبي سفيان في الصغر، وقال له: اركب ورائي وإلا ستُقتل. فتردّد في الركوب، فأركبه العباس وراءه على البغلة عُنوةً، وأخذه إلى خيمة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: يا رسول الله، هذا أبو سفيان يريد أن يُسلم. فذعر أبو سفيان وتردّد. فقال له العباس: ألم ينكشف عليك زيف دينك؟ لا تهلك نفسك وأَسلِـمْ. وأخذ يد أبي سفيان ومَدَّها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ منه البيعة. لكن الرسول صلى الله عليه وسلم تردّد لحظات خوفًا من أن يكون العباس يُكرهه على الإسلام، ولكنه عندما وجد أبا سفيان مصرًا على البيعة أخذها منه.
فقال أبو سفيان: يا رسول الله، إني رئيس مكة وحديث الإسلام، أرجو أن تشرفني شرفًا خاصًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقال أبو سفيان: داري ليست بكبيرة! فقال صلى الله عليه وسلم: من دخل الكعبة فهو آمن. فقال: إنها أيضًا لا تسعهم! فقال صلى الله عليه وسلم: من أغلق عليه باب داره فهو آمن. فقال أبو سفيان: يكفي هذا. ثم أسرع إلى أهل مكة وأخبرهم بزحف النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلن للقوم عن الأمان الذي منحه النبي إياهم. (السيرة الحلبية).
ليس من الصعب على المرء أن يقدر معاناة قلوب أهل مكة.. الذين كانوا مغرورين بقوتهم ومنعتهم بحيث لم يتصوروا زوال حكمهم وعلى هذا النحو. فكم كانت معاناتهم لما سمعوا زعيمهم - الذي ذهب إلى المدينة قبل أيام لعقد اتفاقية مع المسلمين - يعلن: يا أهل مكة! ادخلوا مساكنكم وأغلِقوا عليكم الأبواب إن كنتم تريدون الأمان والحياة، فإن محمدًا الذي أخرجتموه قبل عشر سنوات وحيدًا طريدًا.. قد جاء يقرع أبواب مكة بجيش جرّار عرمرم! لا شكّ أنهم عندما سمعوا الخبر شخصت عيونهم ومدّوا أعناقهم وهم ينظرون إلى الجيش المسلم القادم إليهم. لم يكن أي شيء آخر يشغل بالهم عندئذٍ. لا جَرمَ أن قلوبهم صارت هواءً وطارت شَعاعًا.. عندما أغلقوا عليهم الأبواب وقبعوا في البيوت، وصاروا يطلّون من الشبابيك على الجيش الإسلامي وهو يمر بأزقّة مكة. ألم يقدّم القرآن هنا أَصدَقَ تصوير لحالتهم هذه يا تُرى؟
كم تجرّع المكيون الغصَص عندئذٍ. لا شكّ أنهم كانوا يقولون في أنفسهم: كنا أجبرنا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يترك مكة تحت ستار الليل حينما كانت أبوابها مغلقة، وها قد فاجأَنا الآن في وضح النهار فاتحًا منتصرًا وأبوابها مغلقة أيضًا. لقد كانت الأبواب مغلقة في ليلة هجرته، لأننا لم نرد أن نعطيه الأمان، وأما اليوم فالأبواب مغلقة مرة أخرى، لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم أعطانا الأمان. اللهم صلِّ على محمد وبارك وسلم.
الواقع أن التدبير الإلهي الخفي هو الذي جعل المكيين لم يشعروا بزحف النبيصلى الله عليه وسلم، مع أنه جاءهم بالطريق العادي الذي يمر به الناس ذهابًا وإيابًا، ولم يكن وصول خبر مسيرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المكيين أمرًا صعبًا، ولكن الله تعالى أعماهم عن أخبار المسلمين. وهكذا تحقق النبأ العظيم عن فتح مكة.
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8