loader
 

السؤال: ماذا عن تفسير قوله تعالى (بل رفعه الله اليه) اليس المقصود بانهم لم يصلبوه ولم يقتلوه وان الله نجاه منهم بانه رفعه اليه وشبه لهم رجل اخر فقتلوه بدلا من المسيح رضي الله عنه ثم ان مجيء المسيح عليه السلام الى الدنيا كان معجزا فكيف لا يكون خروجه عليه السلام من الدنيا معجزا ايضا واني اعلم ان الله على كل شي قدير

لا بد من قراءة الآية في سياقها ليُعلم المقصود:
{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (158) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (النساء 158-159)
يقول المسيح الموعود عليه السلام: وأمّا ذكر رفعه بالخصوصية في القرآن، فكان لذبّ ما زعم اليهود وأهل الصلبان، فإنهم ظنوا أنه صُلب ولُعن بحكم التوراة، واللعن يُنافي الرفع بل هو ضدّه كما لا يخفَى على ذوي الحصاة. فردّ الله على هاتين الطائفتين بقوله: { بَل رَّفَعَه اللهُ إِلَيْهِ } . والمقصود منه أنه ليس بملعون بل من الذين يُرفعون ويُكرمون أمام عينيه. وما كان إنكار اليهود إلاّ من الرفع الروحاني الذي لا يستحقّه المصلوب، وليس عندهم رفع الجسم مدار النجاة فالبحث عنه لغو لا يلزم منه اللعن والذنوب. فإن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى، ما رُفع أحدٌ منهم إلى السماء بجسمه العنصري كما لا يخفَى، ولا شك أنهم بعدوا من اللعنة وجُعلوا من المقرّبين. ونجوا بفضل الله بل كانوا سادة الناجين. فلو كان رفع الجسم إلى السماء من شرائط النجاة، لكان عقيدة اليهود في أنبيائهم أنهم رُفعوا مع الجسم إلى السماوات. فالحاصل أن رفع الجسم ما كان عند اليهود من علامات أهل الإيمان، وما كان إنكارهم إلاّ من رفع روح عيسى وكذلك يقولون إلى هذا الزمان. فإن فرضنا أن قوله تعالى: { بَل رَّفَعَه اللهُ إِلَيْهِ } كان لبيان رفع جسم عيسى إلى السماء، فأين ذكر رفع روحه الذي فيه تطهيره من اللعنة وشهادة الإبراء، مع أن ذكره كان واجبا لرد ما زعم اليهود والنصارى من الخطاء. وكفاك هذا إن كنت من أهل الرشد والدهاء. أتظن أن الله ترك بيان رفع الروح الذي يُنجّي عيسى مما أُفتِيَ عليه في الشريعة الموسوية، وتصدّى لذكر رفع الجسم الذي لا يتعلّق بأمر يستلزم اللعنة عند هذه الفرقة؟ وليس تحته شيء من الحقيقة، وما حمل النصارى على ذلك إلاّ طعن اليهود بالإصرار، وقولهم أن عيسى ملعون بما صُلب كالأشرار، والمصلوب ملعون بحكم التوراة وليس ههنا سعة الفرار. فضاقت الأرض بهذا الطعن على النصارى، وصاروا في أيدي اليهود كالأسارى، فنحتوا من عند أنفسهم حيلة صعود عيسى إلى السماء، لعلّهم يُطهّروه من اللعنة بهذا الافتراء. وما كان مفرّ من تلك الحادثة الشهيرة التي اشتهرت بين الخواص والعوام، فإن الصليب كان موجبا للعنة باتّفاق جميع فرق اليهود وعلمائهم العظام. فلذلك نُحِتت قصة صعود المسيح مع الجسم حيلة للإبراء، فما قُبِلت لعدم الشهداء، فرجعوا مضطرّين إلى قبول إلزام اللعنة، وقالوا حملها المسيح تنجيةً للأمّة. وما كانت هذه المعاذير إلاّ كخبط عشواء، ثم بعد مدّة اتّبعوا الأهواء، وجعلوا متعمّدين ابن مريم لله كشركاء. وصار صعود المسيح وحمله اللعنة عقيدة بعد ثلاث مائة سنة عند المسيحيين، ثم تبع بعض خيالاتهم بعد القرون الثلاثة الفيج الأعوج من المسلمين. (الهدى والتبصرة لمن يرى، الخزائن الروحانية، مجلد 18 ص 362-364)


 

خطب الجمعة الأخيرة