loader
 

السؤال: كيف مات ميرزا غلام أحمد

لقد ادّعى معارضو الأحمدية الكثير من الادّعاءات، وافتروا الكثير من البهاتانات، وزوّروا الكثير من الحقائق فألبسوها بالأكاذيب، ولكن هذه الأكذوبة فاقت كل ما عداها من المفتريات، وإن المرء ليستحي أن يكتب عن مثل هذه المفتريات، ولكن حقد الحاقدين وجهالتهم وافتراءهم، يضطرّنا أن نرفع القلم ونتطرق إلى تناول هذا الموضوع لكي نبين للقارئ الكريم حقيقة تلك الفرية الشنيعة التي لا يخجلون من دوام ترديدها.
لقد بلغت صفاقة وسفاهة هؤلاء الذين يرددون هذه الأكذوبة أقصى الحدود حيث لا يقدّمون أي دليل على هذا القول الساقط والزعم المتدني. ونحن نسأل.: من أين جاءوا بتلك الأكاذيب سوى من خيالهم السقيم؟ هل كانوا موجودين أثناء وفاة مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية؟ هل كان من بينهم شاهد عيان؟
إن الحقيقة التي يعرفها القاصي والداني هي أن سيدنا أحمد عليه السلام فارق الحياة مستلقيا على فراشه، وكان حوله العشرات من الناس، وكان من بينهم بعض الأطباء المشهورين، بالإضافة إلى أفراد عائلته وبعض صحابته، ولم يتفوّه أحد منهم بمثل هذا القول، ولم يذكر أحد منهم أنه توفي في المرحاض أو في بيت الخلاء، فكيف يزعم أولئك الذين لم يكونوا حاضرين تلك الواقعة.. حدوث أمر لم يره ولم يقل به أي شخص من بين أولئك الذين كانوا بالفعل شاهدي عيان طوال الفترة التي لقي فيها سيدنا أحمد ربه؟
حقا.. لقد علّم إبليس تلاميذه فنون الكذب والدّجل والافتراء، ولّقنهم دروس التزوير والمراء، ولكن.. هل يُلام إبليس على ما فعل، أم يُلام أولئك الذين يصدّقونه بغير دليل ولا برهان، ويمشون وراءه بغير بصيرة كالعميان؟
لقد سُجّلت تلك الواقعة في أكثر من كتاب، وجاء ذكرها في أكثر من مرجع، ولكن المعارضين لا يريدون أن يقرأوا الحقيقة، ولا يبتغون أن يعرفوا حقائق الأمور، ونحن نعلم أنهم سوف يستمرون في ترديد الأكاذيب والمفتريات، ولذلك فنحن لا نتوجه إليهم بقول، وإنما نتركهم لصاحب الأمر الذي إذا شاء أن يرحم فهو أرحم الراحمين، وإذا شاء أن يُعذّب فإن عذابه هو العذاب الأليم.
أما حقيقة الأمر فهي أن سيدنا أحمد عليه السلام كان قد وصل إلى لاهور في صحبة السيدة زوجته وبعض أفراد عائلته وصحابته، ونزل في بيت واحد من فضلاء أفراد جماعته هناك. وكان عليه السلام يعاني من مرض الدوسنطاريا الذي كان يعاوده من حين لآخر، وفي يوم 23 من ربيع الثاني 1326هـ الموافق 25 أيار (مايو) 1908، عاوده المرض، وقد جمع صلاتي المغرب والعشاء، وتناول قليلا من الطعام. ثم أحس بالرغبة في قضاء حاجته، فذهب إلى بيت الخلاء، ثم عاد إلى غرفته لينال قسطا من الراحة. ونام بعض الوقت، ونام أهله، ولكنه استيقظ مرة أو مرتين أثناء الليل لقضاء حاجته. وعند الساعة الحادية عشرة في تلك الليلة، استيقظ مرة أخرى وقد شعر بضعف شديد فأيقظ زوجته، وبعد قليل ازداد شعوره بالضعف، فاستأذنته زوجته أن تدعو حضرة المولوي نور الدين رضي الله عنه الذي كان طبيبا حاذقا وكان أيضا من أقرب وأحب صحابته إليه، فوافق حضرته على استدعائه واستدعاء ابنه (سيدنا) محمود أحمد رضي الله عنه، وكان حينئذ في التاسعة عشرة من عمره.
وقد جاء مولانا نور الدين رضي الله عنه، كما جاء الدكتور محمد حسين والدكتور يعقوب بيك، وقال لهم عليه السلام إنه يعاني من الدوسنطاريا وسألهم أن يقترحوا له دواء، ثم أضاف قائلا: في الحقيقة إن الدواء موجود في السماء، فعليكم بالدواء والدعاء. وقد قام الأطباء بمعالجته، ولكن الضعف كان يزداد، وشعر بالجفاف في لسانه وحلقه، وكان عليه السلام يردد بين حين وآخر: "يا إلهي يا حبيبي". ولعل هذا يُذكّرنا بما قاله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه، إذ ورد في صحيح البخاري بأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رأس النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي، فغشي عليه، ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت ثم قال: "اللهم الرفيقَ الأعلى" (باب آخر ما تكلم النبي صلى الله عليه وسلم)
كان صحابة سيدنا أحمد عليه السلام وجميع الحاضرين في حالة من القلق والاضطراب، وكان البعض يقوم بخدمته والبعض الآخر يؤدون صلاة التهجد، وقد كتب ابنه ميرزا بشير أحمد رضي الله عنه يقول: "... حينما رأيت وجه والدي في صباح ذلك اليوم انتابني القلق، واستولى عليّ شعور بأن هذا ليس إلاّ مرض الموت".
حول الساعة الخامسة صباحا وصل نواب محمد عليّ رضي الله عنه، وهو زوج ابنته عليه السلام ومن أبرز صحابته، ولما دخل سلّم على سيدنا أحمد فردّ عليه السلام، ثم سأل: هل حان وقت صلاة الفجر؟ قيل: نعم. فضرب بكفّيه على الفراش وتيمم ثم أخذ يُصلي الفجر. ولكنه غُشي عليه أثناء الصلاة، وبعد قليل أفاق فسأل ثانية: هل حان وقت صلاة الفجر؟ فقيل: نعم. فنوى لصلاة الفجر ثانية، وراح يؤدي الصلاة حتى فرغ منها، ثم غشي عليه وهو يردد هذا الكلمات: "يا إلهي يا حبيبي".
في الساعة الثامنة صباحا سأله أحد الأطباء الذين كانوا يتولون علاجه عما إذا كان يشعر بألم أو أذى في أي جزء من أجزاء جسده الشريف، ولكنه لم يستطع أن يجيبه لشدة الضعف، وأشار إلى الحاضرين طالبا ورقة وقلما، وكتب أنه يشعر بضعف شديد ولذلك فإنه لا يردّ عليهم. وفي الساعة التاسعة صباحا تدهورت حالته وكانت أنفاسه الشريفة طويلة، وقد بات واضحا للحاضرين أنه في اللحظات الأخيرة من حياته. وفي الساعة الحادية عشرة قبيل ظهر ذلك اليوم، فاضت روحه الطاهرة للقاء حبيبها، وانتقل إلى الرفيق الأعلى في جنة الخلد، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون. وبذلك انقضت أيام عمره المبارك الذي بلغ فيه الخامسة والسبعين ونصف العام.
هذه هي تفاصيل مراحل مرضه الذي توفي فيه، وقد نقلتها هنا بالتفصيل والترتيب، وتؤكد لنا هذه الحقائق الموثّقة على أنه قضى حاجته للمرة الأخيرة في الساعة الحادية عشر ليلاً، وبعدها لازم فراشه حتى الساعة الحادية عشرة من اليوم التالي، وطوال هذه المدة بقي على فراشه، وصلى صلاة الفجر على فراشه، وجاد بأنفاسه الشريفة على فراشه، أمام الكثيرين من الحضور في ذلك اليوم.
ونحن نتحدّى كل أولئك المتخرّصين والكذابين والمفترين المضللين أن يأتوا بشهادة واحدة لشاهد عيان أن حضرته قد توفي في المرحاض، فإن لم يستطيعوا.. ولن يستطيعوا.. فليتقوا الله ربهم، وليخشوا يوما تشخص فيه الأبصار. إنهم بهذا الإفك الذي يخترعونه، وبهذا التزوير الذي يفترونه، إنما يماثلون تماما أولئك المستشرقين الغربيين الذين هم أعداء الإسلام، والذين راحوا يصفون كيف توفي سيد الأنبياء، وكيف أنه كان يتألم في مرضه الذي توفي فيه حتى أنه كان يقول: "إن للموت لسكرات"، وكيف أنه كان لا يقوى على المسير حتى أنه كان يخط بقدميه على الأرض وهو يتحامل على كتفي رجلين من صحابته، وكيف أنه لم يقو على أداء الصلاة فأمر أن يؤم أبو بكر المصلين، وكيف أنه كان يفقد الوعي وهو في النزع الأخير، وكيف أنه كان يكابد الآلام الشديدة حتى أن ابنته فاطمة رضي الله عنها راحت تبكي بجواره. إنهم يذكرون كل هذه الأمور ليُوهموا القارئَ أن هذا العذاب الذي تحمله رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان بسبب غضب الله عليه في أيامه الأخيرة -معاذ الله- وإن كانوا لا يقولون هذا صراحة وإنما يتركون للقارئ أن يستنتجه بنفسه.
والآن يسير أعداء الجماعة الإسلامية الأحمدية على نفس النهج الذي سار عليه أعداء الإسلام من قبل، ولكن مع فارق كبير، وهو أن أعداء الإسلام لم يخترعوا أكذوبة ولم يفتروا فرية كما يفعل الآن أعداء سيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام، وإنما ذكروا الحقائق بأسلوب معين ليستنتج منه القارئ ما يريدون هم له أن يستنتجه دون أن يتفوّهوا به صراحة. أما أعداء سيدنا أحمد عليه السلام فلم يستحوا أن يفتروا عليه هذه الفرية الدنيئة.
محمد حميد كوثر


 

خطب الجمعة الأخيرة