لعلك تقصد هذه الآيات:
قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (96) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي(97) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (98) (طه 96-98)
وفيما يلي أنقل لك ما جاء في التفسير الكبير لحضرة الخليفة الثاني للمسيح الموعود في تفسيرها:
شرح الكلمات:
أثر الرسول: الأثرُ: الحديثُ (الأقرب). أما الرسول هنا فهو موسى *.
نسفًا: نسَفه: عضَّه (الأقرب). ونسَف الشيءَ: غربَلَه (المنجد)
فالمراد من قوله تعالى *لننسِفنّه* أننا سنقطعه ثم نغربله.
التفسير: سأل موسى السامريَّ: لماذا فعلت هكذا؟ قال يا موسى إن قومك أغبياء، وأنا ذكي. إنهم لم يروا فيك ما رأيته.. أي أنهم قد آمنوا بك ولكني لم أؤمن بك في الحقيقة، بل آمنت ببعض وكفرت ببعض لكي ينخدع القوم ويتخذوني زعيمًا لهم. ثم لما رأيت أن إيمانهم قد تزعزع بعد غيابك على الجبل رميت ما آمنتُ به من تعليمك عرض الحائط. لقد سوّلتْ لي نفسي من قبل أن أؤمن ببعض تعليمك فآمنت، ثم سولت لي أن أكفر به فكفرت، فلما رأيت قومك مائلين إلى الشرك صنعت لهم عجلاً لكي يتخذوني سيدًا عليهم.
فقال لـه موسى لقد فعلت هذا لتنال العزة والسيادة، وليس جزاؤك الآن إلا أن تلقى الخزي والهوان بين القوم. فعقابك أن تنادي بين بني إسرائيل كلما مررت بهم: لا يمسَسْني أحد لأن موسى قد نهاكم عن الارتباط بي كلية. واعلم أن عقابك هذا سيستمر طيلة حياتك. وهذا عقابك في الدنيا، وهناك عقاب آخر أيضًا ولا بد أن ينالك.
يقول البعض إن فرض حظر الكلام على القوم مع أحد غير جائز ولو من أجل الحفاظ على وحدة الأمة. مع أن هذا الزعم لو كان صحيحًا لصار موسى * أول المجرمين؛ حيث أمر السامري أنك إذا مررت ببني إسرائيل فعليك أن تنادي بينهم أن لا يمسني أحد لأن موسى قد نهاكم عن ذلك.
الحق أن عدم اختلاط المرء ببعض القوم حفاظًا على النظام الاجتماعي تعبيرٌ عن الغيرة الدينية، ولا يمكن أن يسمى "مقاطعة اجتماعية". إذا كان هذا مقاطعة اجتماعية فلِمَ لا يرسل كل مسلم أولاده إلى علماء الهندوس ليعلّموهم كتابهم "الفيدا"؟ أو إلى القسيسين ليدرسّوهم الإنجيل؟ هناك ضجة عالية في باكستان ومصر تطالب بعدم السماح للمعلمين المسيحيين بأن يعلموا أولاد المسلمين الإنجيل في المدارس المسيحية، وإلا على المسلمين أن لا يرسلوا أولادهم إلى تلك المدارس. إذا كان من غير الجائز لقوم أن يقطعوا، بحريتهم ورغبتهم، صلتهم بأشخاص قد انضموا إلى صفوفهم في الظاهر ليخدعوهم، فلن تستطيع أمة الحفاظ على إيمانها. فمثلاً لو سب أحد أباك فامتنعت عن الكلام معه فهل يسمى هذا مقاطعة، أم أن هذا دليل على غيرتك؟ وبالمثل لو انضم شخص إلى طائفة وبدأ إغواء شبابها عن عقائدها شيئًا فشيئًا، فمنعهم آباؤهم عن الاتصال بمثل هذا الشخص المفسد، فلن يُعتبر هذا مقاطعة، بل هو الغيرة الإيمانية.
ثم قال موسى عليه السلام للسامري (وانظُرْ إلى إلهك الذي ظلتَ عليه عاكفًا لنُحرّقَنّه ثم لنَنْسِفنّه في اليم نَسْفًا).. أي بالإضافة إلى قطع العلاقات معك ستنال في الدنيا عقابًا آخر أيضًا، وهو أننا سنحرق إلهك الذي كنت تعبده، ثم نذري رماده في النهر لكي تعلم أن الله تعالى واحد ولا إله إلا هو.
قد يقول هنا أحد: كان الصنم من الذهب فلا معنى لتحويله إلى الرماد، ثم نسفه في اليم، لأن النار لا تحوّل الذهب رمادًا. ولو قيل أنهم قد خلطوا بالذهب المغلي أشياء أخرى كثيرة ليحوّلوه رمادًا، مثلما يفعل الأطباء فيخلطون قليلاً من الذهب ببعض الأدوية؛ فالمشكلة أن ذلك الذهب لم يكن قليلاً، لأنه ذهبُ الأثرياء في عاصمة فرعون، فلم يكن حرقه وخلطه بأشياء أخرى لجعله رمادًا بأمر سهل؟
اعلم أن المسيحيين هم الذين أثاروا هذا الاعتراض وقالوا إن القرآن مليء بمثل هذه القصص الباطلة (ينابيع الإسلام الفصل الثالث ص 4). وذلك بالرغم أن هؤلاء المسيحيين أمة تنوب عن اليهود الذين قد نقل القرآن هذه القصة عن كتبهم بصورة تجعلها معقولة.
الواقع أن الصنّاع يركّبون الخشب في مثل هذه الأشياء لإحداث الصوت منها، إذ من السهل صنع أوتار خشبية مشابهة لأوتار حنجرة الإنسان. ومثال ذلك الناي. فالقرآن الكريم إنما أشار بهذه الكلمات إلى الطريقة التي أخرج بها السامري الصوت من هذا العجل. لقد ركّب في العجل الخشب، ثم جعل منها أوتار خشبية إذا مر بها الهواء أحدث صوتًا. فلما أُحرق العجل الذهبي ذاب الذهب، وتحول الخشب رمادًا، ثم قُذف هذا الرماد مع الذهب في البحر.
ولكن بما أن القرآن الكريم قد استخدم لفظ *لَننسِفنّه*، ومن معاني النسف العضّ والقطع أيضًا، والمعادن تُقطَع بالمبرد؛ ثم من معاني النسف أيضًا الغربلة؛ وعليه فستعني هذه الآية أيضًا أننا سنقطع هذا العجل المحرَق بالمبرد ونجعله ذرات، ثم نغربل ذراته ورماد الخشب بالغربال، ثم نلقي الرماد والبُرادة الذهبية الدقيقة في البحر، أما الذرات الذهبية الكبيرة التي لم تعد على شكل صنم الآن والتي لا تتسبب في انتشار الشرك، فنستخدمها لمنفعة القوم، لأن هدفنا هو إثبات وحدانية الله الواحد الأحد *.
ثم يتابع حضرته في تفسير الآيات اللاحقة فيقول:
لقد أعلن القرآن الكريم هنا أن التفصيل الذي ذكرناه لهذه الواقعة هو الحق، وأن التفصيل الذي ورد في الإسرائيليات هو الباطل، فإن الله تعالى هو الذي قد أنزل القرآن، وهو العليم بكل شيء.
لقد ذكر المفسرون هذا الحدث بناء على الإسرائيليات وقالوا أن الرسول المذكور في قوله تعالى *فقبضتُ قبضة من أثر الرسول* هو جبرائيل وليس موسى، وأن لفظ الأثر هنا إنما هو بمعنى أثر الأقدام (الدر المنثور)، وليس الأثر هنا بمعنى الحديث كما ورد في القواميس؛ فقال السامري لموسى كنتُ أرى جبرائيل حين يأتيك، ولكن قومك لم يروه، وذات يوم أخذت التراب من تحت قدمي جبريل، وحينما صنعت العجل أذبتُ الذهب وخلطتُه بهذا التراب؛ فبدأ العجل يتكلم.
إن هذه القصة خاطئة وباطلة بالبداهة لعدة أسباب وهي: أولاً، لو صح هذا الزعم فما كانت هناك حاجة لأن يقول الله تعالى لرسوله الكريم * هكذا نقص عليك من أخبار الماضي، ونفصّل لك الحقيقة من عندنا؟ ما دامت الحقائق كلها مذكورة في الكتب السابقة، كما يريد أن يؤكد المفسرون بتصرفهم هذا، فما الداعي لمثل هذا الإعلان الرباني.
وثانيًا، إن المفسرين السذج عندنا هم الذين يمكنهم أن يصدّقوا أن كبار المؤمنين بموسى لم يتمكنوا من رؤية جبريل، في حين أن السامري الكافر قدر على رؤيته.
وثالثًا، إنه من السذاجة بمكان القول أن العجل بدأ يتكلم حين خُلط الذهب بتراب قدمي جبرائيل! الحق أن الصواغين البسطاء أيضًا يدركون أنه لو كان التمثال فارغًا من الداخل، وكان به ثقبانِ، ثقبٌ في فمه وثقب في خلفه، وتكون في الثقب الأمامي ستائر خشبية كما تكون في الناي، فإذا دخل الهواء من خلفه صوّت من ثقبه الأمامي، كما هو الحال في الناي والصفارة.
فالحق أن الأمر الواقع هو ما ذكرناه، وهو مطابق للكلمات القرآنية. أما المفسرون فقد أخطأوا، حيث صدّقوا الإسرائيليات أولاً، ولم يتدبروا في اللغة ثانيًا. ولو أنهم تدبروا اللغة لأدركوا أن الأثر يعني الحديث أيضًا، وأن الرسول هنا هو نفس الرسول الذي سبق ذكره، وليس جبريل.
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8