لقد أمر الله تعالى موسى وهارون عليهما السلام أن يذهبا ليدعوا فرعون إلى الإيمان، فقال (فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى).. كما استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه التحية في مراسلة هرقل وغيره من الحكام.. وهي تحية إسلامية قرآنية نبوية. وهي لا تختلف عن (السلام عليكم) في مضمونها.
لكن، لما كان شائعًا بين كثير من المسلمين أن إفشاء السلام لغير المسلم حرام، ظنوا أن تحية (السلام على من اتبع الهدى) خاصة بالكافرين. فالخطأ هو في توهم حرمة إفشاء السلام على غير المسلم.
أما ما اعتمد عليه القائلون بحرمة إلقاء السلام على أهل الكتاب فهو أولاً حديث منـزوع السياق، وقد أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ(صحيح مسلم، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد).
لكن هذا الحديث- الذي لم تظهر مناسبة قوله في هذه الرواية هنا- قد ورد في روايات أخرى مع مناسبته، كتلك التي أخرجها ابن ماجة في سننه عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي رَاكِبٌ غَدًا إِلَى الْيَهُودِ فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ فَإِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ (ابن ماجة، كتاب الأدب، بَاب رَدِّ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّة، 3689).
يتضح من هذه الرواية أن المانع من إلقاء السلام هو جوُّ الحرب، ذلك أن إلقاء السلام يعني تعهدا بإعطاء الأمان للطرف الآخر، وحيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذهب لمحاربة هؤلاء المعتدين الناقضين العهود، فإن إلقاء السلام يعتبر خداعا وكذبا وغدرا في مثل هذه الحالة.
أي أن عدم جواز البدء بالسلام هنا مرده إلى وجوب الوفاء بالعهد ووجوب الصدق، وليس إلى أنهم كفرة يحرم إلقاء السلام عليهم.
والشبهة الثانية التي يتعلق بها القائلون بحرمة السلام على غير المسلم هي رواية منـزوعة السياق أخرجها البخاري عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ (البخاري، كتاب الاستئذان، 5788). بينما أخرج البخاري نفسه الحديث مبيّن السياق عن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلا يَا عَائِشَةُ؛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ (البخاري، كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، 5565)
وأخرجه عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَنَّ يَهُودِيًّا مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ السَّامُ عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ. أَتَدْرُونَ مَا قَالَ؟ قَالَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: أَلا نَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ لا وَلَكِنْ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ. (أحمد، 12807) (البخاري، كتاب استتابة المرتدين، 6414)
وتتضح الصورة بعد نقل هذه الأحاديث مجتمعة، فالحديث الذي يوضح المناسبة هو الحَكَم على الحديث منـزوع السياق، ذلك أنه يبين علة عدم رد السلام على هؤلاء اليهود.
ومما يؤكد ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أهْلِها)(النور: 29)، وقوله تعالى (فَإِذا دَخَلْتُمْ بيوتاً فسلّموا على أنفُسِكم تحيةً مِنْ عنْدِ الله مُبارَكةً طيّبةً كَذلِكَ يبيّنُ اللهُ لكمُ الآياتِ لعلّكمْ تعْقِلون)(النور: 62)
فكلمة (بيوت) هنا تشمل أي بيت ندخل إليه؛ سواء أكان بيت مسلم أم غير مسلم. فالآية نص عام في وجوب السلام عند دخول البيوت سواء على مسلمين أو غير مسلمين.
وكذلك قوله تعالى (وإذا سَمِعوا اللغْو أعْرَضوا عَنْهُ وَقالوا لنا أعْمالنا ولَكُمْ أعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغي الجاهِلين)(القصص: 56). فهذه الآية نص عام في كل مسلم يستمع من غير المسلمين إلى حديث لا يرضي الله، فليس واجبا عليه أن يترك المجلس من دون ردة فعل مادية فحسب، بل عليه أن يقول لهؤلاء: سلام عليكم.
وكذلك قوله تعالى ( الذين يَمْشون عَلى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذا خاطَبَهُمُ الجاهِلونَ قالوا سَلاماً)(الفرقان: 64). فإذا مدح الله تعالى من يقول سلاما عليكم للجاهلين إذا استفزوا المسلمين، فكيف الحال لو كان الكافر مسالما لا يريد الإضرار بالمسلمين؟!
كما لا بدّ من التذكير بالأحاديث النبوية الآمرة بالإحسان لأهل الكتاب ومعاملتهم بالحسنى وعدم إيذائهم، ولا شك أن عدم إلقاء السلام أو عدم ردّه إيذاء، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(ألا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)( سنن أبي داود، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في تعشير أهل الذمة). وقد روى ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: من سلم عليك من خلق الله فردّ عليه، وإن كان مجوسيا، فإن الله يقول (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)( الطبري، ابن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار الفكر، د.ط، 1415هـ1995م، ج4ص85)..
فالقائلون بوجوب إلقاء السلام على الجميع من غير تفريق لهم أدلة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية.. أما القائلون بحرمة إلقاء السلام على غير المسلمين أو بحرمة ردّه، فلا يستدلون إلا بأحاديث منـزوعة من سياقها، حيث يفهمون منها ما لم يتحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قط.
فإذا اتَّضح أن إلقاءَ السلام وردَّه على جميع المسالمين واجبٌ، لم يبقَ أي مبرر للتفريق بين (السلام عليكم) وبين (السلام على من اتبع الهدى). لكن (السلام عليكم) أشهر وأقصر وأسهل.
ثم إن المسلم اتبع الهدى، أما غير المسلم فنتمنى له اتباع الهدى بقولنا هذا. أي أننا نقول: السلام على من نتمنى له أن يتبع الهدى، أو السلام على من اتبع الهدى على اعتبار ما سيكون أو على اعتبار ما نأمل.. وهذا من باب المجاز.
أما القول أن الكافر لم يتبع الهدى، وأننا حين نقول له (السلام على من اتبع الهدى) نقصد أنه لا سلام عليه باعتباره لم يتبع الهدى؛ فهذا كذب نـنـزه قرآننا ونبينا عنه. بل هذه تحية.
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8