أشكرك على اعتراضك.
إن كثيرا من الإجابات تنطلق من مبادئ إسلامية عامة لا يختلف عليها اثنان، ولا يجهلها أحد. وبالتالي فإن ذكر هذه الأدلة القرآنية سيكون إطنابًا لا مبرر له. وإلا، فهل يجهل أحدٌ الآيات القرآنية التي تحض على أداء الأمانة؟ أو على العدل وأداء الشهادة؟ أو على وجوب تحري الصدق؟ أو على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحمل المسؤولية؟ أو على حرمة قتل الأبرياء؟
ثم إن الغاية من الأحكام الفقهية هي التقوى، وأن التفاصيل والتفريعات ليس عليها نصوص مستقلة، بل على المسلم أن يستفتي نفسه فيها بعد أن يضع تقوى الله نصب عينيه. ودليل هذا منصوص عليه في حديث وَابِصَةَ الْأَسَدِيِّ الذي أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهو يرِيدُ أَنْ لَا يدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إِلَّا سَأَلهُ عَنْهُ. فقال له رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم: يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ (مسند أحمد).
هذا الحديث مفتاح عظيم للإجابة على الأسئلة؛ ومعناه أن على السائل أن يحدد الإجابة بعد أن يطبق المبادئ والنصوص الإسلامية العامة على حالته التي يفهمها هو، وليس المفتي. لذا فإني كثيرا ما أقوم بسرد الأدلة، والطلب من السائل نفسه أن يجيب على سؤاله.
لست ممن يسرد عشرات الأقوال في المسألة الواحدة، ثم يجعل السائل يضيع في وسطها، ولا يستفيد شيئا.
الفقه بسيط، ولكن تعقّد بفعل عوامل الزمان. ونحن نريد إعادته إلى بساطته.
القرآن الكريم هو أساس الإجابة على أي تساؤل. والسنة توضيحية تفصيلية.
لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا واجب إلا ما أوجباه، وما تبقى فهو مباح. ثم ما غلب على الظن أنه سيؤدي إلى حرام، فهو حرام بقدر ما سيؤدي إليه من حرام، وما كان تركه سيؤدي إلى ترك واجب، فهو واجب.
ماذا بقي بعد هذا؟
لماذا حدث تضخم في الفقه؟
لأن الفقهاء استحدثوا أدلة غير القرآن، وتركوا الدليل القرآني. أتدري كيف؟
قالوا: القرآن فيه آيات منسوخة، لذا لا يمكن الرجوع إليه مباشرة، لأن معرفة الناسخ من المنسوخ ليست يسيرة. والكتاب الذي فيه أحكام ملغية من دون تحديدها لا يمكن الرجوع إليه مباشرة. ثم قالوا بأدلة جديدة كالقياس الذي اختلفوا فيه كثيرا، ثم الإجماع الذي اختلفوا فيه أكثر، ثم الاستحسان وغير ذلك كثير، ولا أريد الإطالة فيه.
ما أؤمن به أن الفقه يسير، وليس بحاجة إلى مثل هذه التفريعات، فالقرآن محكم كله، وآيات أحكامه معروفة لمن تدبر فيه.
هذا كله عن الفقه، أما عن العقائد فالأمر لا يختلف كثيرا. إننا في الجماعة الإسلامية الأحمدية نملك منظومة من العقائد المترابطة المبنية برسوخ على القرآن العظيم، والمؤسسة على تقوى من الله ورضوان. وهي سهلة بسيطة لأي إنسان. وهناك الكثير من الأحمديين العرب ممن يقدر على الإجابة على الأسئلة المتعلقة بها بطريقة ممتازة ودقيقة.
إن مرجعيتنا هي القرآن، فالخير كله في القرآن كما قال المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام.
إن الاستدلال بالآيات والأحاديث وغيرها ليس الحكَم في صحة الآراء أو فسادها، بل التعامل مع الدليل وفهمه هو الأساس. أما الاستدلال بحد ذاته فهو منهج يشترك فيه الجميع، وكثيرا ما يقدم طرفان متعارضان نفس الأدلة للتعبير عن فهم متناقض.
كذلك، فإن استخدام الدليل، سواء في الرد على الأسئلة أو أثناء الحديث أو خلال الكتابة، هو امر تقتضيه الحكمة وأسلوب الكاتب أو المتحدث إضافة إلى المتلقين. فلكل مقام مقالة، ولكلٍ أسلوبه في ذلك.
المهم، أن التركيز يجب أن ينصبّ على دقة الرأي وصحته أوفساده، وعند هذا أيضا يختلف الرد على المستوضح أو المعترض حسب شخصيته وعلمه وفهمه وحسب المقام.
كذلك أود أن أؤكد أن الإسلام كان ولا يزال معجزة في بساطته وتطابقه مع الفطرة السليمة للإنسان، فهو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهو الدين الذي يتعاطى مع كل فئات الناس على اختلاف أفهامهم ودرجات وعيهم وعلمهم. والحكمة هي معرفة الحق وإيصاله للآخرين بأقصر الطرق وأسهلها، لا باتباع أسلوب واحد في كل مقام.
إن المرجع الأساس في الإسلام هو القرآن الكريم الذي يعمل على تطهير النفس وتنقيتها من أدرانها فتعود إلى فطرتها المتطابقة تماما مع هذا الكتاب العظيم الذي هو كتاب الإنسان الذي يقوده إلى الكمال. ولا يحتاج الإنسان لأكثر من التقوى كي يعلمه الله علوما عظيمة (واتقوا الله ويعلمكم الله - البقرة 283) ولقد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم مثالا حيا للتطابق مع القرآن في السلوك والحديث والحركات والسكنات، فكان "خلقه القرآن" كما قلت السيدة عائشة رضي الله عنها، ولكن هل كان كلما أقدم على أمر أو قام بفعل يقوم بتقديم الدليل قبل ذلك؟!ألم يكن حديثه الشريف هو جوامع الكلم ومنتهى الحكمة القرآنية التي تختزل القرآن الكريم بكلمات موجزة!
لقد أدركت السيدة عائشة أن سلوكه وحديثه متطابق مع القرآن الكريم في أدق التفاصيل في حياته، وهذا إدراك بني نتيجة معرفتها الدقيقة لحضرته صلى الله عليه وسلم ومعرفتها للقرآن، لكنها لم تصل إلى تلك النتيجة من خلال قيامها ببحث عملت فيه على تحليل سلوكه ومن ثم مقارنته باستدلالات قرآنية! إن النتيجة التي قدمتها كانت نتاج خبرتها ومعايشتها للرسول صلى الله عليه وسلم، وهي نتيجة عظيمة لا يختلف عليها اثنان، فهل كان على المستمعين لها أن يطلبوا الاستدلالات (التي هي عمليا كل آيات القرآن) كي يقبلوا منها هذا القول؟!
وهكذا فمن عرف القرآن ومن عمل على تنقية نفسه وتزكيتها استغنى عن إطالة الحديث والبيان واستطاع أن يعرف الحق من الباطل، وأصبح قلبه يتعشق الرأي الصواب وينجذب نحوه بشكل فطري، كما أنه يصبح قادرا على استباط القضايا الدقيقة وفهمها بشكل عفوي ملفت للنظر. وفي حقيقة الأمر، هذه هي الغاية من الدين أصلا وهي أن يرتقي الإنسان لتصبح أوامر الله ونواهيه خُلقا فيه ويصبح متصلا بالله مستشعرا لإرادة الله ومقصوده بشكل فطري عفوي. وعند هذا المقام يقل الكلام ويصبح أكثر تركيزا ودقة ويصبح أقرب إلى جوامع الكلم التي أعطاها الله تعالى لرسوله الكريم.
أما بخصوص سنوات الخبرة وعددها فهو أمر لا وزن له عند الله تعالى ولا في جماعة المؤمنين، ولا تكون هذه السنوات في ميزان أحد إلا إذا قضاها في الصدق وإخلاص العمل والتفاني في سبيل الله. وفي النهاية فإن هذا الميزان بيد الله وحده، ومن خلال هذا الميزان يرفع الله أقواما ويضع آخرين. فالصدق وإخلاص العمل لله وتحري التقوى هي الأمور التي يجب أن يتنافس فيها المؤمنون. وعلى الله التوكل.
تميم أبو دقة
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8